التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب ما ذكر أن النبي لم يكن له بواب

          ░11▒ بَابُ مَا ذُكِرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلعم لَمْ يَكُنْ لَهُ بَوَّابٌ
          7154- ذَكَرَ فيه حديثَ أَنَسٍ ☺ السَّالِفَ في الجنائزِ: (فَلَمْ تَجِدْ عِنْدَه بَوَّابًا) وفي آخرِه: (إِنَّ الصَّبْرَ عِنْدَ أَوَّلِ صَدْمَةٍ) [خ¦1252].
          وهو محمولٌ على البوَّابِ الرَّاتِبِ أو في الوقتِ الَّذي كان يَظْهَرُ فيه جمعًا بينه وبين حديثِ القُفِّ السَّالِفِ قديمًا [خ¦3674] [خ¦7097] وحديثًا في الغلامِ الَّذي كان على المَشْرُبَة [خ¦5191] أو يُحمَلُ حديثُه على وقْتِ شُغْلِه أو خَلْوَتِهِ بنفْسِه وهو الظَّاهر، وقد أَمَّنَه اللهُ أن يُغتالَ أو يُهاجَ أو تُطلَبِ غِرَّتُه بقولِه: {وَالله يَعْصِمُكَ مِن النَّاس} [المائدة:67] ولهذا لم يتَّخِذْ حاجبًا.
          وقد أراد عُمَرُ بنُ عبدِ العزيزِ أنْ يسلُكَ هذه الطَّريقةَ تواضعًا للهِ، فمنَعَ الشُّرَطَ والبوَّابينَ فتكاثرَ النَّاسُ تكاثُرًا اضطرُّوه إلى الشُّرَطِ، فقال: لا بُدَّ للسُّلطانِ مِن وَزْعَةٍ. وعلى ما قدَّمْنَاهُ مِن فِعْلِه ◙ في اتخاذِه البوَّابَ ورَفْعِه الحِجَابَ والبوَّابَ عن بابِه وبروزِهِ لطالِبِه احتجابُ مَن احتجبَ مِن الأئمَّةِ الرَّاشدينَ واتَّخاذُ مَن اتَّخذَ البوَّابَ وظُهورُ مَن ظهرَ للنَّاسِ منهم.
          وَرَوَى شُعْبَةُ عن أبي عِمْرَان الجَوْنيِّ عن عبدِ الله بن الصَّامتِ: أنَّ أبا ذرٍّ لَمَّا قَدِمَ على عثمانَ قال: يا أميرَ المؤمنين افتحِ البابَ يدخُلِ النَّاسُ. فدلَّ هذا الحديثُ عن عُثْمانَ أنَّه كان يَبرُزُ أحيانًا ويَظهَرُ لأجْلِ الحاجةِ، ويحتجِبُ أحيَّانًا في أوقاتِ حاجاتِه، ونظيرُ ذلك كان يفعلُ عُمَرُ بنُ عبدِ العزيز، رُوِي عن جَرِيرٍ عن مُغيرةَ عن زيدٍ الطبيبِ قال: دخلت على عُمَر بن عبد العزيز فقال لي: ما يقول النَّاس؟ قلت: يقولون: إنَّك شديدُ الحِجَاب، فقال: لا بدَّ لي أن أخلو فيما يرفَعُ النَّاس إليَّ مِن المظالم فأنظرَ فيها.
          فَصْلٌ: وقولُها: (فَإِنَّكَ خِلْوٌ مِنْ مُصِيبَتِي) أي خَالٍ. وقولُه: (فَلَمْ تَجِدْ عنده بَوَّابًا) أي حاجبًا، هذه كانت أكثر حالاتِه. قال الدَّاودِيُّ: والَّذي أَخَذَ به بعضُ القُضاةِ مِن شِدَّةِ الحِجابِ وإدخالِ بَطَائِقِ الخصومِ لم يكن ذلك مِن السَّلَفِ، ولن يأتي آخِرُ هذه الأُمَّةِ بأفضلَ ما أَتَى به أوَّلُها. وهذا مِن النَّكير، وكان عُمَرُ يرقُدُ في الأَفْنِية نهارًا.
          وقال مُعَاويَةُ يومًا: ما يَمنعُنِي أنْ أُوَلِّيَ ابنَ عُمَرَ _يعني الخلافةَ_ إلَّا عِبَرُهُ وبُكاؤُه وتَخَلِّيه، فَرَكِبَ رجلٌ مِن أهلِ الشَّامِ يريدُ الحجَّ، فقال ذلك لابنِ عُمَرَ، فقال ابنُ عُمَرَ ☻: والله لو وَلِيتُكُم لَجَلَسْتُ لكم بالفِنَاء، وما أرى أنِّي إذا فَعَلْتُ ذلك لكم تَقْتَحِمُونَ عليَّ عند أهلي، وأَمَا واللهِ لئنْ وَلِيتُكُمْ _وأعوذُ بالله أنْ أَلِيَكُم_ لَوَعَظْتُكُم بِكتابِ الله، ولا إخالُ مَن وَعَظَ بكتابِ الله يكون باكيًا.
          وكان أحدُهُم يأتي عُثْمانَ وهو نائمٌ فيوقِظُهُ بِرِجْلِهِ، ثمَّ وَلِيَ طارقٌ مولاهُ في زَمَنِ مَرْوانَ فكان شديدَ الحِجَاب، فكان بعضُ النَّاس يُعَيِّرُهم بذلك ويقول: ما رضيتُم مِن عُثْمانَ ما كان عليه أنَّ أحدَكم يُقِيمُهُ بِرِجْلِهِ فقد رَضِيتُم لِطَارقٍ ما تَرَون. وكان عليٌّ ☺ يخوضُ طينَ الكوفةِ بِرِجْلَيهِ ويقطَعُ مِن خوفٍ أصابِعَهُ.