التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب امر الوالي

          ░22▒ بَابُ أَمْرِ الْوَالِي إِذَا وَجَّهَ أَمِيرَيْنِ إِلَى مَوْضِعٍ أَنْ يَتَطَاوَعَا وَلَا يَتَعَاصَيَا
          7172- ذَكَرَ فيه حديثَ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: بَعَثَ النَّبِيُّ صلعم أَبِي وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ: (يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا، وَتَطَاوَعَا) الحديث.
          وَقَالَ النَّضْرُ وَأبُو دَاودَ وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ وَوَكِيْعٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلعم.
          فيه الحضُّ على الاتِّفاقِ وتَرْكِ الاختلافِ لِمَا في ذلك مِن ثَبَاتِ المحبَّةِ والأُلْفَةِ والتَّعاونِ على الحقِّ والتَّنَاصُرِ على إنفاذِهِ وإمضائِه، وسلف معنى أَمْرِهِ بالتَّيسيرِ وتَرْكِ التَّعسيرِ في الأدبِ في بابِ قولِه: ((يَسِّرا ولا تُعسِّرا)) أي خُذَا بما فيه اليُسْرِ، وأَخْذُهما ذلك هو عينُ تَرْكِهمَا للعُسْرِ.
          وقولُه: (وَبَشِّرَا) أي بما فيه تَطْييبُ النُّفوسِ، (وَلاَ تُنَفِّرَا) أي بما لا يُقصَدُ إلى ما فيه الشِّدَّة، (وَتَطَاوَعَا) أي تحابَّا فإنَّه متى وقع الخلافُ وقعَ التباغُض.
          وفيه مِن الفوائدِ تقديمُ أفاضِلِ الصَّحابةِ على العمل واختصاصُ العلماءِ منهم، وظاهرُ الحديثِ اشتراكًهما في عَمَلِ اليمن، والمذكورُ في غيرِه أنَّه قدَّمَ كلَّ واحدٍ منهما على مِخْلَافٍ والمِخْلافُ الكُورَةُ، واليَمَنُ مِخْلَافانِ.
          فَصْلٌ: (البِتْعُ) في الحديثِ شرابٌ يُتَّخذُ مِن العَسَلِ. وقولُه ◙: (كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ) فيه ردٌّ على أبي حنيفةَ ومَن وافَقَهُ، وقد رَوَى ابنُ عبَّاسٍ ☻ عنه ◙: ((أنَّه حرَّمَ الخَمْرَ بِعَينِها، والمُسْكِرَ مِن غيرِها)) وهذا نصٌّ لا يحتمِلُ التَّأويلَ، وهو نصٌّ في موضِعِ الخِلافِ.
          فائدةٌ: (أَبُو دَاودَ) السَّالفُ هو سُلَيْمانُ بن داودَ الطَّيالسِيُّ الحافظُ، انفرد به مُسلمٌ واستشهد به البُخَارِيُّ كما تراه، وأخرج له أيضًا في كتابِ «القراءة خلفَ الإمام» وغيرِه، وأخرج له الأربعةُ أيضًا، وهو صاحبُ «المسند» ماتَ سَنَةَ ماتَ الشَّافعِيُّ سنةَ أربعٍ ومئتين ابنَ إحدَى وسبعينَ سنةً.