التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب القضاء والفتيا في الطريق

          ░10▒ بَابُ الْقَضَاءِ وَالْفُتْيَا فِي الطَّرِيقِ
          وَقَضَى يَحْيَى بْنُ يَعْمَرَ فِي الطَّرِيقِ. وَقَضَى الشَّعْبيُّ عَلَى بَابِ دَارِهِ.
          7153- ثمَّ ساقَ حديثَ أَنَسٍ ☺: (بَيْنَا أَنَا وَالنَّبِيُّ صلعم خَارِجَانِ فَلَقِيَنَا رَجُلٌ عِنْدَ سُدَّةِ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟) الحديث.
          قال المُهَلَّب: الفتوى في الطَّريقِ على الدَّابَّةِ وما يُشاكِلُها مِن التَّواضُعِ لله، فإنْ كانت لضعيفٍ أو جاهلٍ فمحمودٌ عندَ اللهِ والنَّاسِ، وإن تكلَّفَ ذلك لِرَجُلٍ مِن أهلِ الدُّنيا ولمن يُخشَى لسانُهُ فمكروهٌ للحاكمِ أن يترُكَ مكانَهُ وخِطَّتَهُ.
          واختلَفَ أصحابُ مالكٍ في القضاءِ سائرًا وماشيًا، فقال أشهبُ: لا بأس بذلك إذا لم يَشْغَلْهُ السَّير أو المشْيُ عن الفَهْمِ، وقال سُحْنُونُ: لا ينبغي أن يَقضِيَ وهو يسيرُ أو يمشي، وقال ابنُ حَبِيبٍ: ما كانَ مِن ذلك يسيرًا كالَّذي يأمُرُ بِسَجْنِ مَن وجبَ عليه أو يأمُرُ بِشَيءٍ أو يَكُفُّ عن شيءٍ فلا بأس بذلك، وأمَّا أن يبتدِئَ نَظَرًا ويرجع الخصوم وما أشبه ذلك فلا ينبغي، وهو قولُ الحَسَنِ، وقولُ أشهبَ أشبهُ بدليلِ الحديثِ.
          وفيه دليلٌ على جوازِ تنكيبِ العالمِ بالفُتيا عن نفسِ ما سُئِلَ عنه إذا كانت المسألةُ لا تُعرَفُ، أو كانت ممَّا لا حاجة بالنَّاسِ إلى معرفتِها، وكانت ممَّا يُخشَى منه الفتنةُ وسوءُ التَّأويلِ.
          فَصْلٌ: يُقالُ: استفْتَيْتُ الفقيهَ فأفتاني، والاسمُ الفُتْيَا والفَتْوَى، وقَضَاءُ يَحيَى لَعَلَّهُ كان نَصٌّ أو مسألةٌ لا تحتاج إلى رَوِيٍّ دون ما غَمَضٍ كما مضى، وسأل ابنُ مَهِديٍّ مالكًا وهما ماشيانِ فقال مالكٌ: يا عبدَ الرَّحمن، تسألُني عن حديثٍ / ونحنُ نمشي؟! وكان لا يحدِّثُ بحديثِ رسولِ الله صلعم إلَّا وهو على طهارةٍ.
          فَصْلٌ: وقولُه: (عِنْدَ سُدَّةِ المَسْجِدِ) قال الجَوْهَرِيُّ: السُّدَّةُ بابُ الدَّارِ، وقال أبو الدَّرداء: مَنْ يَغْشَ سُدَدَ السُّلْطَانِ يَقُمْ ويَقْعُدْ، قال: وسمِّي إسماعيلُ السُّدِّيَّ لأنَّه كان يبيعُ المقَانِعَ والخُمُرَ في سُدَّةِ مسجدِ الكوفة، وهو ما يبقَى مِن الطَّاق المسدودِ.
          ومعنى: (مَا أَعْدَدْتُ لَهَا؟) ما هيَّأتُ للسَّاعةِ واستعدَدْتُ لها، قال الأخفش: ومنه قولُه تعالى: {جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ} [الهمزة:2] وفي روايةِ أبي ذرٍّ: <عَدَدْتُ> ومعناه ما تقدَّم، وهو في القرآنِ في غيرِ موضِعٍ.
          قولُه: (اسْتَكَانَ) أي خضَعَ، وقال الدَّاوُدِيُّ: أي سَكَنَ.
          وقولُه: (مَا أَعْدَدْتُ لَهَا كَبِيرَ صِيَامٍ وَلَا صَلَاةٍ وَلَا صَدَقَةٍ) يعني نافلةً، ولعلَّ الرَّجُلَ سألَ عنها خوفًا ممَّا يكونُ فيها، ولو سأل استعجالًا لها لكانَ مِن جُملةِ مَن قال تعالى فيه: {يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا} [الشورى:18].