التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب بيعة النساء

          ░49▒ بَابُ بَيْعَةِ النِّسَاءِ
          رَوَاهُ ابْنُ عبَّاسٍ ☻، عَنِ النَّبِيِّ صلعم.
          7213- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخبرنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ ☺ قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ صلعم وَنَحْنُ فِي مَجْلِسٍ: (تُبَايِعُونِي عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِالله شَيْئًا، وَلَا تَسْرِقُوا وَلَا تَزْنُوا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ، وَلَا تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ، وَلَا تَعْصُوا فِي مَعْرُوفٍ، فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى الله، وَمَنْ أَصَابَ مِن ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ بِهِ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، وَمَنْ أَصَابَ مِن ذَلِكَ شَيْئًا فَسَتَرَهُ اللهُ فَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ، إِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ، وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ) فَبَايَعْنَاهُ عَلَى ذَلِكَ.
          7214- ثمَّ ساقَ حديثَ عَائِشَةَ ♦ قالتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلعم يُبَايِعُ النِّسَاءَ بِالْكَلَامِ بِهَذِهِ الْآيَةِ: {لَا يُشْرِكْنَ بِالله شَيْئًا} [الممتحنة:12] قَالَتْ: وَمَا مَسَّتْ يَدُ رَسُولِ اللهِ صلعم يَدَ امْرَأَةٍ إِلَّا امْرَأَةً يَمْلِكُهَا.
          7215- وحديثَ أُمِّ عَطِيَّةَ ♦ قَالَتْ: بَايَعْنَا رَسُولَ اللهِ صلعم، فَقَرَأَ {أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئًا} [الممتحنة:12] وَنَهَانَا عَنِ النِّيَاحَةِ، فَقَبَضَتِ امْرَأَةٌ مِنَّا يَدَهَا فَقَالَتْ: فُلَانَةُ أَسْعَدَتْنِي وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَجْزِيَهَا، فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا، فَذَهَبَتْ ثُمَّ رَجَعَتْ، فَمَا وَفَتْ مِنَّا امْرَأَةٌ إِلَّا أُمُّ سُلَيْمٍ وَأُمُّ الْعَلَاءِ وَابْنَةُ أَبِي سَبْرَةَ امْرَأَةُ مُعَاذٍ، أَوِ ابْنَةُ أَبِي سَبْرَةَ وَامْرَأَةُ مُعَاذٍ.
          الشَّرح: كلُّ ما خاطبَ اللهُ به الرِّجال مِن شعائرِ الإسلامِ فقد دَخَلَ فيه النِّساءُ ولَزِمَهُنَّ مِن ذلك ما لَزِمَ الرِّجالَ إلَّا ما خُصَّ به الرِّجالُ ممَّا لا قُدرةَ للنِّساء عليه مِن القيامِ بِفَرْضِ الحرْبِ وشبهه ممَّا قد بُيِّنَ سقوطُه عن النِّساء. وهذه البيعةُ في هذه الأحاديثِ كانت بيعةَ العَقَبةِ الأولى بمكَّة قبْلَ أن تُفرَضَ عليهم الحربُ، ذَكَرَهُ ابنُ إِسْحَاقَ وأهلُ السِّيَرِ، قالوا: وكانوا اثْنَي عَشَرَ رجلًا. وترجمةُ عُبَادةَ سَلَفَتْ قريبًا.
          فَصْلٌ: قولُه ◙: (بَايِعُونِي على أنْ لَا تُشْرِكُوا بِاللهِ شَيْئًا) بيَّن لهم أنَّ التَّوقُّفَ عن هذه الأفعالِ القبيحةِ إنَّما يكونُ في الميزانِ إذا تقدَّمها الإيمانُ، وكان موجِبُ التَّوقُّفِ عنها خوفَ الرَّحمنِ.
          وقولُه: (فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ) أي مَن يوفِ عن هذه لله فَأَجْرُهُ على الله.
          وقولُه: (فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ) هو صريحٌ في الرَّدِّ على مَن قال: إنَّ الحدودَ زاجراتٌ لا مُكفِّرَاتٌ.
          وقولُه: (كَانَ يُبَايِعُ النِّسَاءَ بِالكَلاَمِ) أي لأنَّ المصافحةَ ليست شرطًا في صِحَّةِ البَيْعَةِ لأنَّها عَقْدٌ بالقولِ، وإنْ كانَ مِن حُكْمِ مبايعةِ الرِّجالِ المصافحةُ، ولو كانتِ المصافحةُ شرْطًا لَمَا صحَّتْ مُبايعةُ ابنِ عُمَرَ ☻ بالمكاتَبَةِ، وإنَّما كانتْ بَيْعَةُ أُمَيْمَةَ بعد الحُدَيْبَية، وقد قال ◙: ((إنَّما قَوْلِي لمئةِ امرأةٍ كقولي لامرأةٍ واحدةٍ)) يريدُ في المُعَاقَدةِ ولُزُومِ البَيْعَةِ.
          فَصْلٌ: النِّيَاحَةُ نوعٌ مِن عَمَلِ الجاهليَّةِ ونُهِيَ عنها لِمَا فيها مِن عدمِ الرِّضى بالقضاءِ. وقبْضُ المرأةِ يَدَها يحتملُ خوفَها عدم الوفاء إذْ لم تُرِدِ الامتناعَ مِن ذلك.
          فَصْلٌ: أمُّ سُلَيمٍ اسمُها مُلَيكةُ أمُّ أنسِ بن مَالكٍ. وأمُّ حَرَامٍ الغُمَيْصَاءُ وحَرَامٌ وسُلَيمٌ شهدا بدرًا وأُحُدًا وقُتِلَا ببِئْرِ مَعُونةَ أولادُ مِلْحَانَ واسمُه مالكُ بن خالدِ بن زَيْدِ بن حَرَام بن جُنْدُبِ بن عامر بن غَنْمِ بن عَفْراءَ بن النَّجَّار، كلُّهم أسلمَ وبايعَ رَسولَ الله صلعم.
          وأمُّ العلاءِ بنتُ الحارثِ بنِ حارثَةَ بن ثَعْلبَةَ بن الجُلاسِ بنِ أُمَيَّة بن خُدارَة بِضَمِّ الخاءِ المعجمةِ وقيل: بِكَسْرِ الجيم، أخي خُدْرَةَ ابْنَيْ عوفِ بنِ الحارثِ بن الخَزْرجِ، وعمَّتُها كَبْشَةُ بنتُ ثابتِ بن حارِثَةَ، أسلمتْ وبايعتْ، وأمُّ نوحٍ بنتُ ثابتِ بن الحارِثِ بن حارِثَةَ، كانت عند عبدِ الرَّحمنِ بن كعبِ بن مالكٍ فولدتْ له، وأخوها عمرُ بن ثابتُ بنُ الحارث يروي عن أبي أيُّوبَ حديث: ((مَن صامَ رمضانَ وأتْبَعَهُ ستًّا مِن شَوَّال فقد صامَ الدَّهرَ)) ورواه عُمَرُ بنُ حَفْصِ بن ثابِتٍ عن أبيه عن جدِّه عن أبي أيُّوبَ، فَذَكَرَ الحديثَ. /