التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب ما يكره من ثناء السلطان وإذا خرج قال غير ذلك

          ░27▒ بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ الثَّنَاءِ عَلَى السُّلْطَانِ، وَإِذَا خَرَجَ قَالَ غَيْرَ ذَلِكَ
          7178- ذَكَرَ فيه حديثَ عَاصِمِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ أُنَاسٌ لِابْنِ عُمَرَ: إِنَّا نَدْخُلُ عَلَى سُلْطَانِنَا فَنَقُولُ لَهُمْ خِلَافَ مَا نَتَكَلَّمُ إِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِمْ، قَالَ: كُنَّا نَعُدُّ هَذَا نِفَاقًا.
          7179- وحديثَ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺: سَمِعَتُ رَسُولَ الله صلعم يَقُولُ: (إنَّ شَرَّ النَّاسِ ذُو الْوَجْهَيْنِ، الَّذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ وَهَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ).
          الشَّرحُ: لا ينبغي لمؤمِنٍ أنْ يُثْنِيَ على سُلطانٍ أو غيرِه في وجهِه وهو عندَه مستحقٌّ للذَّمِّ، ولا يقولَ بحضْرَتِه خِلافَ ما يقولُه إذا خرجَ مِن عندِه لأنَّ ذلك نِفَاقٌ كما قال ابنُ عُمَرَ ☻، وقال فيه ◙: (شَرَّ النَّاسِ ذُو الوَجْهَيْنِ) لأنَّه يُظهِرُ لأهلِ الباطلِ الرِّضا عنهم ويُظهِرُ لِأهلِ الحقِّ مثلَ ذلك؛ ليُرضِيَ كلَّ فريقٍ منهم ويُرِيَهُ أنَّه منهم، وهذه المداهنةُ المحرَّمةُ على المؤمنين.
          فإنْ قلتَ: إنَّ حديثَ ابنِ عُمَرَ وحديثَ أَبِي هُرَيْرَةَ ☻ يُعَارضانِ قولَه ◙ لِلَّذي يستأذِنُ: ((بئسَ ابنُ العَشِيرةِ)) ثمَّ يَلقاه بوجهٍ طَلْقٍ وتَرحيبٍ. قلتُ: لا تعارُضَ لأنَّه ◙ لم يَقُلْ خلافَ ما قاله عنه / بل أبقاهُ على التَّجريحِ عند السَّامِعِ، ثمَّ تفضَّل عليه بحُسْنِ اللِّقاء والتَّرحيبِ لِمَا كان يَلْزَمُهُ ◙ مِن الاستئلاف، وكان يَلْزَمُهُ التَّعريفُ لِخَاصَّتِهِ بأهلِ التَّخليطِ والتُّهَمَةِ بالنِّفاق.
          وقد قيل: إنَّ تلقِّيه له بالبِشْرِ إنَّما كان لاتِّقاءِ شَرِّه ولِيَكُفَّ بذلك أذاهُ عن المسلمينَ، فإنَّما قصَدَ بالوجهينِ جميعًا إلى نفْعِ المسلمينَ بأنَّ عرَّفه بسُوءِ حالِه، وبِأَنْ كَفَاهم بِبِشْرِهِ له أذاه وشَرَّهُ، وذو الوجهين بخلافِ هذا لأنَّه يقولُ الشَّيءَ بالحَضْرَةِ ويقولُ ضدَّه في غيرِ الحَضْرَةِ، وهذا تناقضٌ. فالَّذي فَعَلَهُ ◙ مُحْكَمٌ مُبَيَّنٌ لا تناقضَ فيه لأنَّه لم يَقُلْ لِابنِ العَشِيرةِ عند لقائِه إنَّه فاضِلٌ ولا صالحٌ؛ بِخلافِ ما قال فيه في غيرِ وجهِهِ. ومِن هذا الحديثِ استجازَ الفقهاءُ التَّجريحَ والإعلامَ بما يُظَنُّ مِن سوءِ حالِ الرَّجُلِ إذا خُشِيَ منه على المسلمين. وقد سَلَفَ التَّقصِّي في كتابِ الأدبِ في بابِ المداراةِ مع النَّاس الكلامُ في معنى قولِه ◙: ((بئسَ ابنُ العَشِيرة)) وهذه صِفةُ المنافقِ الَّذي يُبدِي للنَّاسِ شيئًا ويكتُمُ غيرَه.