التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب الإمام يأتي قومًا فيصلح بينهم

          ░36▒ بَابُ الْإِمَامِ يَأْتِي قَوْمًا فَيُصْلِحُ بَيْنَهُمْ
          7190- ذَكَرَ فيه حديثَ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ ☺ قَالَ: (كَانَ قِتَالٌ بَيْنَ بَنِي عَمْرٍو، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلعم فَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ أَتَاهُمْ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمْ). الحديث، سَلَفَ في الصَّلاة [خ¦1201] وتقدَّم البابُ أيضًا في الصُّلح [خ¦2690].
          فإنْ قلتَ: فقد جاء هنا أنَّه ◙ شَقَّ النَّاسَ وهم في الصَّلاةِ، وجاءَ عنه أنَّه ◙ نَهَى عن التَّخَطِّي وأنْ يُفرِّقَ بين اثنينِ يومَ الجُمُعَةِ فما الفرقُ؟ قلتُ: الإمامُ يُستثْنَى مِن ذلك فلهُ أن يتخطَّى إلى موضِعِه. وقال المُهَلَّب: الشَّارعُ ليس كغيرِه في أَمْرِ الصَّلاةِ ولا غيرِها لأنَّه ليس لأحدٍ أن يتقدَّم عليه فيها، وله أن يتقدَّمَ لِمَا يَنزِلُ عليه مِن أحكام الصَّلاةِ، أو يَنزِلُ عليه قرآنٌ بإثباتِ حُكمٍ أو نسْخِه، وليس لِغيرِه شيءٌ مِن ذلك وليس حركةٌ مِن حركاتِه إلَّا ولنا فيها منفعةٌ وسُنَّةٌ نقتدي بها، والمكروهُ مِن التَّخطِّي هو ما يختصُّ بالأذى والجَفَاءِ على الجُلوسِ في التخطِّي على رِقَابهم وقلَّةِ توقيرِهم، وليس كذلك الوقوفُ في الصَّلاةِ لأنَّهم ليسوا في حديثٍ تفاوَضُوا فيه فيقطعَهُ عليهم المارُّ بينهم كما يقطعُهُ مَن جلس بين اثنينِ مُتَحادثَين في علْمٍ أو مشاروةٍ.
          ويُستدلُّ على ذلك بقولِ مالكٍ: مَن رَعَفَ في الصَّلاة أنَّ له أن يشقَّ الصُّفوفَ عَرْضًا إلى البابِ، فإن لم يمْكِنْهُ خَرَجَ كيف تيسَّرَ له، وليس لِأَحدٍ أن يشقَّها بالدُّخولِ والنَّاسُ جلوسٌ قبل الصَّلاة لِمَا في ذلك مِن الجَفَاء على النَّاسِ والأذى لهم، ولهم ذلك بعد تمامِ الصَّلاة لأنَّهم ممَّن أباح اللهُ لهم الانتشارَ بعدَ الصَّلاة، فلِذلك سقط أذى التَّخطِّي عن الخارِجِ لأنَّهم مختارونَ للجلوسِ بعدَ الصَّلاةِ ومأمورونَ بالجلوسِ قبْلَها، وقد خَرَجَ صلعم بعد تقضِّي الصَّلاةِ يتخطَّى رقابَ النَّاسِ فقال: ((تذكَّرْتُ ذُهَيْبَةً كانت عِنْدي فخشِيتُ أن تَحْبِسَني)).
          وفي قولِه ◙: (فَلْيُسَبِّحِ الرِّجَالُ، وَلْيُصَفِّحِ النِّسَاءُ) حُجَّةٌ لنا على أنَّها لا تُسبِّحُ فيها لِمَا يُخشَى مِن صوتِها على النَّاس، وهو نصٌّ لا مدفَعَ فيه.