التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب من استرعي رعيةً فلم ينصح

          ░8▒ بَابُ مَنْ اسْتُرْعِيَ رَعِيَّةً فَلَمْ يَنْصَحْ
          7150- ذَكَرَ فيه حديثَ أَبِي الأَشْهَبِ _واسمُه جَعْفَرُ بنُ حيَّانَ العُطَارِديُّ البَصْريُّ الحذَّاء الأَعْمى_ عن الحَسَنِ، أَنَّ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ زِيَادٍ عَادَ مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَقَالَ لَهُ مَعْقِلُ بْنَ يَسَارٍ: إِنِّي مُحَدِّثُكَ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ الله صلعم، سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلعم يَقُولُ: (ما مِن عَبْدٍ يسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً فَلَمْ يَحُطْهَا بِنَصِيحَةٍ، لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ).
          وفي روايةٍ: (مَا مِنْ وَالٍ يَلِي رَعِيَّةً مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَيَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لَهُمْ إِلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ).
          هذا حديثٌ عظيمٌ، وفيه وعيدٌ شديدٌ على أئمَّةِ الجَوْرِ، وفي روايةِ الإسْمَاعيلِيِّ: فقال ابنُ زِيادٍ لِمَعْقِلٍ: فهلَّا قَبْلَ اليومِ، فقال: لولا أَنِّي ميِّتٌ ما حدَّثْتُكَ.
          ومعنى (يَحُطْهَا) يكلَؤُها ويرعَاها، هو ثُلَاثيٌّ بفتْحِ الياءِ مِن حَاطَه يَحُوطُه، يُقال: مع فلانٍ حَيْطَةٌ لكَ، أي تَحَنُّنٌ وَتَلَطُّفٌ.
          وقولُه: (يَجِدْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ) قال الدَّاوُدِيُّ: يحتملُ أنْ يريدَ إلَّا أن يغفِرَ اللهُ، وهذا مذهبُ أهلِ السُّنَّةِ، ويحتملُ أنْ يريدَ الكافرَ لأنَّ المؤمنَ لا بُدَّ له مِن نصيحةٍ، ولِقولِه ◙: ((يَخرُجُ مِن النَّارِ مَن في قلبهِ مِثْقالُ ذَرَّةٍ مِن إيمانٍ)).
          وقولُه: (يَلِي) ماضِيهِ وَلِي بالكسْرِ فيكونُ مستقبلُهُ يَوْلَى بالفَتْحِ لكنَّه شاذٌّ، مِثْلُ وَرِثَ يَوْرَثُ.
          فَصْلٌ: مَعْقِلُ بن يَسَارٍ بالعين المهمَلَةِ والقاف.
          فَصْلٌ: النَّصيحةُ فرضٌ على الوالي لِرَعِيَّتِهِ، وقد قال ◙: ((الأميرُ راعٍ ومسؤولٌ عن رعيَّتِهِ)) فمَنْ ضيَّعَ مَن استرعاه اللهُ أمْرَهم أو خانَهم أو ظَلَمَهم فقد يوجَّهُ إليه الطَّلبُ بمظالمِ العِبادِ يومَ القيامة، فكيف يَقدِرُ على التَّحَلُّلِ مِن ظُلْمِ أُمَّةٍ عظيمةٍ.
          فَصْلٌ: يجبُ على الوالي ألَّا يحتجِبَ عن المظلومينَ، فقد رَوَى أبو مريمٍ الفِلَسْطينيُّ الصَّحابيُّ ☺ مرفوعًا: ((مَن وَلِيَ مِن أُمورِ الناس شيئًا فاحتجَبَ عن خَلَّتهم وحَاجتِهم وفاقتِهم، احتجبَ اللهُ عن حاجتِهِ وخَلَّتِهِ وفاقتِهِ)).
          فَصْلٌ: / ويجبُ على الوالي ألَّا يولِّيَ أحدًا مِن عِصَابتِه وفي النَّاسِ مَن هو أرضى منه، فقد رُوِيَ عن ابنِ عبَّاسٍ ☻ مرفوعًا: ((إنَّهم إن فَعَلوا ذلك فقد خانوا اللهَ ورسولَه وخانوا جميعَ المؤمنين)).