التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب من حكم في المسجد

          ░19▒ بَابُ مَنْ حَكَمَ فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى إِذَا أَتَى عَلَى حَدٍّ أَمَرَ أَنْ يُخْرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ فَيُقَامَ
          وَقَالَ عُمَرُ ☺: أَخْرِجَاهُ مِنَ الْمَسْجِدِ. وَيُذْكَرُ عَنْ عَلِيٍّ ☺ نَحْوُهُ.
          7167- 7168- ثمَّ ساقَ حديثَ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺ في قِصَّةِ ماعِزٍ، وفيه: فَلَمَّا شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعًا قَالَ: (أَبِكَ جُنُوْنٌ؟) قَالَ: لَا، قَالَ: (اذْهَبُوْا بِه فَارْجُمُوْهُ). فَرُجِمَ بِالْمُصَلَّى. رَوَاهُ يُونُسُ ومَعْمَرٌ وَابْنُ جُرَيجٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرٍ ☺، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلعم في الرَّجْمِ.
          الشَّرحُ: اختلَفَ العلماءُ في إقامةِ الحُدُودِ في المسجدِ، فرُوِيَ عن عُمَرَ ☺ أنَّهُ أَمَرَ بالَّذي وَجَبَ عليه الحدُّ أن يُقامَ عليه خارجَ المسجدِ، وكذا فَعَلَ عليٌّ ☺ بالسَّارقِ الَّذي قَدِمَ إليه، فقال: يا قَنْبَرُ أخرجْهُ مِن المسجدِ فاقطَعْ يَدَهُ. وكرِهَ إقامتَه في المسجدِ مَسْرُوقٌ وقال: إنَّ للمسجدِ حُرْمةً. وهو قولُ الشَّعْبيِّ وعِكْرِمَةَ، وإليه ذَهَبَ الكوفيُّونَ والشَّافعِيُّ وأحمدُ وإِسْحَاقُ.
          وفيها قولٌ ثانٍ يُروَى عن الشَّعْبيِّ أنَّه أقام على رَجُلٍ مِن أهلِ الذِّمَّةِ حدًّا في المسجدِ، وهو قولُ ابنِ أبي ليلى.
          وفيها قولٌ ثالثٌ وهوُ الرُّخْصة في الضَّربِ بالأسواطِ اليسيرةِ في المسجدِ، فإذا كثُرَتِ الحدودُ فلا تُقامُ فيه، وهو قولُ مالكٍ وأبي ثورٍ. وقولُ مَن نزَّهَ المسجدَ عن إقامةِ الحدودِ فيه أَوْلى، يشهَدُ له حديثُ البابِ حيثُ أَمَرَ بِرَجْمِهِ في المصلَّى خارجَ المسجدِ.
          قال ابنُ المنذر: ولا أُلْزِمُ مَن أقامَ الحدَّ في المسجدِ مأثمًا لأنِّي لا أجدُ دليلًا عليه. وفي البابِ حديثانِ مُنقطعانِ لا تَقومُ بهما حُجَّةٌ في النَّهيِ عن إقامةِ الحدودِ في المساجدِ، وقد أسلفتُ أنَّ طُرُقَه كلَّها ضعيفةٌ.
          فَصْلٌ: قولُه في الحديثِ: (فَأَعْرَضَ عَنْهُ) أي كراهيةَ سماعِ ذلكَ، وإرادةَ السَّترِ. وفيه تأويلانِ: أحدُهما: أنَّ ذلك إنَّما يكون إذا قامَ به مَن له حقٌّ، والثَّاني: أنَّه لم يَحضُرْهُ أَحَدٌ مِن الشُّهودِ.
          فَرْعٌ: قيل لمالكٍ: أَتَرَى للإمامِ إذا اعتُرِفَ عندَه بالزِّنا أن يُعرِضَ عنه أربعَ مرَّاتٍ؟ فقال: ما أعرفُ هذا، إذا اعترفَ مرَّةً وأقامَ على اعترافِه أُقيم عليه الحدُّ. والحديثُ يَرُدُّه.
          واختُلِفَ إذا جَحَدَ الإقرارَ ولم يأتِ بعده، فقال مالكٌ مرَّةً: يُقبَلُ منه، وقال أُخرى: لا. وأبعدَ مَن قال: يحتملُ أنْ يكونَ ◙ أَمَرَ بِرَجْمِهِ قبلَ أن يستكملَ الأربعَ، وقد يحتمِلُ أن تكونَ شهادتُه على نفْسِه بذلك عند غيرِ رسولِ الله صلعم، وأقرَّ الرَّابعةَ عندَه.