التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب هدايا العمال

          ░24▒ بَابُ هَدَايَا الْعُمَّالِ
          7174- ذَكَرَ فيه حديثَ أَبِي حُمَيدٍ السَّاعِدِيِّ ☺ قال: (اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ صلعم رَجُلًا مِنْ بَنِي أَسْدٍ يُقَالُ لَهُ: ابْنُ اللًّتْبِيَّةِ عَلَى صَدَقَةٍ). الحديث، وفيه: (أَوْ شَاةً تَيْعَرُ). قَالَ سُفْيَانُ: قَصَّهُ عَلَيْنَا الزُّهْرِيُّ. وَزَادَ هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي حُمَيدٍ قَالَ: سَمِعَ أُذُنِي وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنِي، وَسَلُوا زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فَإِنَّهُ سَمِعَهُ مَعِي. وَلَمْ يَقُلِ الزُّهْرِيَّ: سَمِعَ أُذُنِي.
          وهذا الحديثُ سَلَفَ في الزَّكاةِ [خ¦1500] قال ابنُ دُرَيدٍ: بنو لُتْبٍ بطنٌ مِن العربِ منهم ابنُ اللُّتْبِيَّةِ رجلٌ مِن الأَزْدِ، ويُقالُ فيه الأَسْدُ بالسِّينِ واسمُه دِرَاءُ وزنُ فِعَال، وكان له معروفٌ وإحسانٌ إلى النَّاسِ، فيقول القائلُ: أَزْدَى إليَّ معروفًا، وأَسْدى فَلُقِّبَ الأَزْدَ والأَسْدَ على الإبدالِ.
          فَصْلٌ: قولُه: (أَوْ بَقَرَةً لَهَا / خُوَارٌ) هو بالخاءِ المعجَمَةِ، وسَلَفَ عن البُخَارِيِّ: (خُوَارٌ: صَوْتٌ، والجُؤَارُ كَصَوْتِ الْبَقَرَةِ) وَزَعَمَ الإسْمَاعيليُّ أنَّ الَّذي بالخاءِ المعجَمَةِ صَوْتُ البَقَرِ، وهو ما في التَّنزيلِ، وأمَّا الَّذي بالجيم فصوتٌ في خُشُوعٍ وتضرُّعٍ مِن الآدميِّ، قال تعالى: {فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} [النحل:53].
          وقولُه قَبْلَهُ: (إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ) هو صوتُ البعيرِ.
          وقولُه: (أَوْ شَاةً تَيْعَرُ) هو بكسْرِ العينِ، كذا ضَبَطَهُ الدِّمياطِيُّ وصحَّح عليه. وشاةٌ لها يَعَارٌ، ويُقال: يُعَارٌ. وقال القزَّاز: هو يَعارٌ بغيرِ شكٍّ واليُعَارُ ليس بشيءٍ، واليَعَارُ صوتُ الشَّاةِ الشَّديدُ. وهذا واللهُ أعلمُ إذا لم يَرُدَّ ذلك إلى أربابِهِ على قصْدِ التَّوبةِ. وذَكَرَهُ ◙ على المنبرِ ليُنْقَلَ فَيَقَعَ الامتناعُ منه.
          فَصْلٌ: فيه أنَّ ما أُهديَ إلى العُمَّالِ وخَدَمَةِ السُّلطان بسببِ سُلطانِهم أنَّه لِبيتِ المال، أَلَا ترى قولَه ◙: ((هَدَايا الأمراءِ غُلُولٌ)) ورُوِيَ: ((هدايا العُمَّال)) كما ترجم به البُخَارِيُّ، إلَّا أن يكونَ الإمامُ يُبيحُ له قَبُول الهديَّةِ لنفْسِه فذلك تطييبٌ له كما قال ◙ لمعاذٍ حين بعثَهُ إلى اليمن: ((قد علمتُ الَّذي دارَ عليكَ في مالِكَ، وإنِّي قد طيَّبْتُ لك الهديَّةَ)) فَقَبِلَها مُعَاذٌ وأَتَى بما أُهدِيَ له رسولَ الله صلعم فَوَجَدَه قد تُوفِّي، فأخبرَ بذلك الصِّدِّيق فأجازه، ذكره ابنُ بطَّالٍ. وسَلَفَ في ترْكِ الحيلِ في بابِ احتيالِ العاملِ ليُهدَى له تمامُ القول في ذلك، وعندنا أنَّ هديَّةَ القاضي سُحْتٌ لا تُملك، وعبارةُ ابنِ التِّين: هدايا العُمَّال رِشوةٌ وليستْ بهديَّةٍ إذْ لولا العمل لم يُهْدَ له، كما نبَّه الشَّارعُ عليه.