التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب الاستخلاف

          ░51▒ بَابُ الِاسْتِخْلَافِ
          7217- ذَكَرَ فيه حديثَ عَائِشَةَ ♦ أنَّها قَالَتْ: وَارَأْسَاهْ، فَقَالَ ◙: (لَوْ كَانَ ذَاكِ وَأَنَا حَيٌّ فَأَسْتَغْفِرُ لَكِ) الحديث. فَقَالَ: (بَلْ أَنَا وَارَأْسَاهْ لَقَدْ هَمَمْتُ _أَوْ أَرَدْتُ_ أَنْ أُرْسِلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَابْنِهِ فَأَعْهَدَ، أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُونَ أَوْ يَتَمَنَّى الْمُتَمَنُّونَ، ثُمَّ قُلْتُ: يَأْبَى اللهُ وَيَدْفَعُ المُؤْمِنُونَ، أَوْ يَدْفَعُ اللهُ وَيَأْبَى المُؤْمِنُونَ).
          7218- وحديثَ ابْنِ عُمَرَ ☻، (قِيْلَ لِعُمَرَ ☺ أَلاَ تَسْتَخْلِفُ؟) الحديث.
          7219- وحديثَ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ ☺ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ لِأَبِي بَكْرٍ يَوْمَئِذٍ: (اصْعَدِ الْمِنْبَرَ) فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى صَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَبَايَعَهُ النَّاسُ عَامَّةً.
          7220- وحديثَ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَتِ النَّبِيَّ صلعم امْرَأَةٌ فَكَلَّمَتْهُ فِي شَيْءٍ، فَأَمَرَهَا أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ، فقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ جِئْتُ وَلَمْ أَجِدْكَ؟ كَأَنَّهَا تُرِيدُ الْمَوْتَ، قَالَ: (إِنْ لَمْ تَجِدِينِي فَأْتِي أَبَا بَكْرٍ).
          7221- وحديثَ أَبِي بَكْرٍ ☺ أنَّهُ قَالَ لِوَفْدِ بُزَاخَةَ: (تَتْبَعُونَ أَذْنَابَ الْإِبِلِ حَتَّى يُرِيَ اللهُ خَلِيفَةَ نَبِيِّهِ وَالْمُهَاجِرِينَ أَمْرًا يَعْذِرُونَكُمْ بِهِ).
          الشَّرح: فيه دليلٌ قاطعٌ _كما قال المُهَلَّبُ_ على خلافِةِ الصِّدِّيقِ، وهو قولُه: (وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أُرْسِلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَابْنِهِ) يعني فأَعْهَدَ إلى أَبِي بكْرٍ، (ثُمَّ قُلْتُ: يَأْبَى اللهُ) غيرَ أبي بكْرٍ (وَيَدْفَعُ المُؤْمِنُونَ) غيرَ أَبِي بكْرٍ بحضرَتِه، وشكَّ المحدِّثُ بأيِّ اللَّفظينِ بَدَأَ النَّبيُّ صلعم. ولم يَشُكَّ في صِحَّة المعنى، وهذا ممَّا وَعَدَ به فكان كما وَعَدَ، وذلك مِن أعلامِ نُبوَّتِهِ. وقد رَوَى مسلمٌ هذا الحديثَ في كتابِه فقال فيه: ((يأبى اللهُ وَيَدْفَعُ المؤمنونَ إلَّا أبا بكْرٍ)).
          فإن قلتَ: فإذا ثبتَ أنَّ الشَّارِعَ لم يَستخلفْ أحدًا، فما معنى ما رواه إسماعيلُ بن أبي خالدٍ عن قيسِ بن أبي حازمٍ قال: رأيتُ عُمَر ه وبيده عَسِيبٌ وهو يُجلِسُ النَّاسَ ويقول: اسمعوا لِخليفةِ رسولِ الله صلعم، وهذا خِلافٌ لحديثِ ابنِ عُمَرَ؟ فالجواب: أنَّه ليس في أَحَدِ الخبرَين خِلافٌ للآخر، ومعنى قولِ عُمَرَ: (إِنْ أَتْرُكْ فَقَدْ تَرَكَ رَسُولُ اللهِ صلعم) يعني تَرَكَ التَّصريحَ والإعلانَ بِتَعَيُّنِ شخصٍ ما وعَقْدِ الأمْرِ له.
          وأمَّا قولُ عُمَرَ: اسْمَعُوا لِخَلِيْفَةِ رَسُوْلِ اللهِ صلعم فمعناه أنَّه استخلَفَ عليهم أبا بكْرٍ بالأدلَّةِ الَّتي نَصَبها لأُمَّتِه أنَّه الخليفةُ بعدَه، فكان أبو بَكْرٍ ☺ خليفةَ رسولِ الله صلعم لِقيامِ الدَّليلِ على استخلافِه، ولِمَا كان قد أعلمَهُ اللهُ أنَّه لا يكونُ غيرُه، ولذلك قال: (يَأْبَى اللهُ وَيَدْفَعُ المُؤْمِنُونَ) ومِن أَبْيَنِ الدَّليلِ في استخلافِ أبي بكْرٍ قولُ المرأةِ: إِنْ لَمْ أجِدْكَ حَيًّا إلى مَن ألجأُ بالحكمِ؟ فقال ◙: (ائْتِ أَبَا بَكْرٍ).
          ولم يكن للبَشَرِ مِن عِلْمِ الغيبِ ما كان لِرسولِ الله صلعم في ذلك، فرأَى أنَّ الاستخلافَ أضبطُ لِأمْرِ المسلمين وإن لم يُوقِف الأمْرَ على رَجُلٍ بعينِهِ لكنْ جَعَلَه لمعيَّنِينَ لا يَخْرُجُ عنهم إلى سِواهم، فكان نوعًا مِن أنواع الاستخلافِ والعَقْد، وإنَّما فعل هذا عُمَرُ ☺ وتوسَّطَ حالةً بين حالتَينِ خشْيةَ الفِتنةِ بعده كما خُشِيَتْ بعد رسولِ الله صلعم وقتَ قولِ الأنصارِ ما قالوا، فلِذلك جعل عُمَرُ ☺ الأمْرَ معقودًا موقوفًا على الستَّةِ لئلَّا يَتْرُكَ الاقتداءَ برسولِ الله صلعم في تَرْكِ الأمْرِ إلى الشُّورى مع ما قام مِن الدَّليلِ على فضلِ الصِّدِّيق، فَأَخَذَ مِن فِعْل أبي بكر طَرَفًا آخَرَ وهو العَقْدُ لِأَحَدِ السِّتَّةِ لِيجْمَعَ لنَفْسِه فَضْلَ السُّنَّتَيْنِ ولم يَتْرُكِ التَّرْكَ الكُلِّيَّ ولم يُعَيِّن التَّعيينَ الكُلِّيَّ وجَعَلَها شُورى بين مَن شُهِدَ له بالجنَّة، وأبقى النَّظرَ للمسلمين في تعيينِ مَن اتَّفَقَ أمرُهم عليه ممَّن جَعَلَ الشُّورَى فيهم.
          وأمَّا قولُ عُمَرَ ☺ حين أثنَوْا عليه: (رَاغِبٌ رَاهِبٌ، وَدِدْتُ أَنِّي نَجَوْتُ مِنْهَا كَفَافًا) فيحتملُ معنيين:
          أحدُهما: راغبٌ بثنائِه في حُسْنِ رأيٍ وتقريرٍ له، وراهبٌ مِن إظهار ما بنفسه مِن كراهيةٍ.
          وثانيهما: راغبٌ يعني أن النَّاس في هذا الأمرِ راغبٌ فيه _يعني في الخلافةَ_ وراهبٌ منها، فإنْ وَلَّيْتُ الرَّاغِبَ فيها خَشِيتُ ألَّا يُعانَ عليها للحديث، وإنْ وَلَّيْتُ الرَّاهِبَ منها خَشِيتُ أَلَّا يقومَ بها، وهذا مِن حقيقةِ الإشفاقِ، وفي هذا كلِّه دِلالةٌ على جوازِ عَقْدِ الخِلافةِ مِن الإمامِ لِغيرِه بعدَه، فإنَّ أمْرهُ في ذلك على جماعةِ المسلمين جائِزٌ.
          فإن قلتَ: لِمَ جازَ للإمامِ توليةُ العَهْدِ، والإمامُ إنَّما يملِكُ النَّظَرَ في المسلمينَ حياتَه ويزولُ عنه بوفاتِه، وتوليةُ العهدِ استخلافٌ بعد وفاتِه في وقتِ زوالِ أَمْرِهِ وارتفاعِ نَظَرِه، وهو لا يملِكُ ذلك الوقتَ ما يجوز عليه توليتُه أو تنفُذُ فيه وصيَّتُه؟ فالجواب: إنَّما جاز ذلك لأمورٍ منها إجماعُ الأُمَّةِ مِن الصَّحابةِ ومَن بعدهم على استخلافِ الصِّدِّيقِ الفاروقَ على الأُمَّةِ بعدَه، وأمْضَتِ الصَّحابةُ ذلك منه على أنفُسِها، وجَعَلَ عُمَرُ ☺ الأمْرَ بعدهُ في ستَّةٍ فألزَمَ ذلك مِن حُكمِه وعَمِلَ فيه على رأيِه وعَقْدِهِ، أَلَا تَرَى رِضَا عليٍّ ☺ بالدُّخولِ في الشُّورى مع الخمسةِ وجوابَه للعبَّاسِ بنِ عبدِ المطَّلِب حين عاتبَهُ على ذلك بأنْ قال: الشورى كان أمرًا عظيمًا مِن أمورِ المسلمينَ فلَمْ أرَ أنْ أُخرِجَ نفْسِي منه. ولو كان باطلًا عنده لوجبَ عليه أن يُخرِجَ نفسه منه ولَمَا جاز له الدُّخولُ معهم فيه.
          ومنها أنَّ المسلمين إنَّما يُقيمِونَ الإمامَ _إذا لم يكن لهم_ لِحاجتِهم إليه وضرورتِهم إلى إقامتِه لِيكفِيَهم مُؤْنَةَ النَّظَرِ في مصالحِهم، فلمَّا لم يكن لهم مع رأيِه وأمْرِه فيما يتعلَّقُ بمصالحِهم رأيٌ ولا نَظَرٌ فكذلك في إقامةِ الإمامِ بعْدَه؛ لأنَّه مِن الأمورِ المتعلِّقةِ بكافَّتِهم، فكان رأيُه في ذلك ماضيًا عليهم وجَرَى مَجْرى الأبِ في تولِيَتِه على ابنِه الصَّغيرِ بعد وفاتِه عند عدم الأب.
          فَصْلٌ: وأمَّا قولُ عُمَرَ ☺ / في خُطْبَتِه: (كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَعِيشَ رَسُولُ اللهِ صلعم حَتَّى يَدْبُرَنَا) ر يعني حتَّى يكونَ آخِرَنا، فإنَّما قال ذلك يومَ وفاتِه حينَ قال: إنَّ مُحَمَّدًا لم يمتْ وإنَّه سيرجِعُ ويقطَعُ أيدِي رِجالٍ وأَرْجلَهم، حتَّى قام الصِّدِّيقُ فَخَطَبَ. الحديث، وقد ذَكَرَ ابنُ إِسْحَاقَ عن ابنِ عبَّاسٍ ☻ عن عُمَرَ ☺ أنَّه قال: إنَّما حَمَلَني على مقالتِي حين مات رسولُ الله صلعم قولُه تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} الآية [البقرة:143] فواللهِ إنْ كنتُ لَأَظنُّ أنَّ رسولَ الله صلعم سيبقى في أُمَّتِه حتَّى يَشْهدَ عليها بآخِرِ أعمالِها.
          وكان في هذه الرَّزِيَّةِ الشَّنيعةِ والمصيبةِ النَّازِلَةِ بالأمَّة مِن موتِ نَبِيِّها مِن ثبات نفْسِ الصِّدِّيق ووفُورِ عَقْلِهِ ومكانتِه مِن الإسلام ما لا مَطْمَعَ فيه لأحدٍ غيرِه. وقال سَعِيدُ بنُ زَيْدٍ: بايَعوا الصِّدِّيق يومَ ماتَ رسولُ الله صلعم، كَرِهُوا بقاءَ بعضِ يومٍ وليسوا في جماعةٍ.
          وقد ذَكَرَ ابنُ إِسْحَاقَ عن الزُّهْرِيِّ عن عُرْوةَ أنَّ النَّاس بَكَوْا على رسولِ الله صلعم حين توفَّاهُ الله وقالوا: لَوَدِدْنا أنَّا مِتْنَا قَبْلَهُ؛ إنَّا نَخْشَى أنْ نُفْتَنَ بعده. وقال مَعْنُ بن عَدِيٍّ العَجْلانيُّ: واللهِ ما أُحِبُّ أنِّي مِتُّ قَبْلَه حتَّى أُصَدِّقَهُ مَيِّتًا كما صدَّقْتُهُ حيًّا. فقُتِلَ يومَ اليَمَامةِ في خلافةِ أبي بكْرٍ ☻.
          فائدة: معنى (يَدْبُرَنَا) قال الخليل: دَبَرْتُ الشَّيءَ دَبْرًا تَبِعْتُهُ، وعلى هذا قرأَ مَن قرأَ: {واللَّيْلِ إذا دَبَرَ} يعني إذا تَبِعَ النَّهار، وَدَبَرَني فلانٌ خَلَفَنِي.
          فَصْلٌ: قولُه: (بُزَاخَةَ) بباءٍ موحَّدةٍ مضمومةٍ ثمَّ زايِ ثمَّ ألفٍ ثمَّ خاءٍ معجمَةٍ ثمَّ هاءٍ، موضِعٌ كانت فيه وقعةٌ للمسلمين في خلافةِ الصِّدِّيق ☺، ووفْدُ بُزَاخةَ ارتدُّوا ثمَّ تابوا فَأَوْفَدُوا رُسُلَهُم إلى الصِّدِّيق يعتذرون إليه، فأحبَّ الصِّدِّيق أَلَّا يَقضِيَ فيهم إلَّا بعد المشاورةِ في أَمْرِهم، فقال لهم: ارجعوا واتْبَعوا أذنابَ الإبِلِ في الصَّحاري حتَّى يرَى المهاجرون وخليفةُ رسولِ الله صلعم ما يُرِيهمُ اللهُ في مشاورتِهم أمرًا يَعْذِرونَكُم فيه.
          وذكر يعقُوبُ بنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ قال: حدَّثني إبراهيمُ بن سَعْدٍ عن سُفْيَانَ الثَّورِيِّ عن قيسِ بن مُسلمٍ عن طارقِ بن شِهَابٍ قال: قَدِمَ وفدُ أهلِ بُزَاخَةَ وَهُمْ مِن طَيِّءٍ يسألونَه الصُّلْحَ، فقال أبو بَكْرٍ ☺: اختاروا إمَّا الحرْبَ المُجْلِيَةَ وإمَّا السِّلْمَ المُخْزِيةَ. فقالوا: قد عَرَفْنَا الحرْبَ، فما السِّلْمُ المُخْزِيةُ؟ قال: يُنزَعُ منكم الكُرَاعُ والحَلْقَةُ وتَوْدُون قتلانا، وقتلاكُم في النَّار، ونَغْنَم ما أَصبْنا منكم وتَرُدُّون إلينا ما أصبتُم مِنَّا، وتُتْرَكُونَ أقوامًا تَتْبَعُونَ أذنابَ الإبِلِ حتَّى يُرِيَ اللهُ خليفةَ نبيِّهِ والمهاجرينَ أمرًا يَعْذِرُونكم به، فخطبَ أبو بَكْرٍ النَّاسَ، فَذَكَرَ أنَّه قال وقالوا، فقال عُمَرُ ☺: قد رأيتَ وسنشيرُ عليك، أمَّا ما ذكرتَ مِن أنْ تَنْزِعَ منهم الكُرَاع والحَلْقَة فَنِعْمَ ما رأيتَ، وأمَّا ما ذكرْتَ مِن أن يَودُوا قتلانا وقتلاهم في النَّارِ، فإنَّ قتلانا قُتِلَتْ على أمْرِ اللهِ فليس لها دِيَاتٌ، فتتابعَ النَّاسُ على قولِ عُمَر ☺.
          فَصْلٌ: قولُه ◙: (ذَاكِ لَوْ كَانَ وَأَنَا حَيٌّ...) إلى آخرِه، كأنَّها فَهِمَتْ مِن قولِه تمنِّيَ الموتِ لها، وقولُها: (مُعَرِّسًا بِبَعْضِ أَزْوَاجِه) أَخَذَتْها الغَيْرَةُ لأنَّها كانت تُحِبُّ قُرْبَهُ.
          وقولُه: (بَلْ أَنَا وَارَأْسَاهْ) يريدُ واللهُ أعلمُ أنَّها تبقَى بعده.
          وقولُه: (أَوْ يَتَمَنَّى المُتَمَنُّونَ) يريدُ واللهُ أعلمُ يَتَمَنَّوْا غيرَ خلافةِ أبي بكْرٍ.
          وقولُه: (وَيَأْبَى اللهُ...) إلى آخرِه، يريدُ أن أستخلِفَ غيرَ أبي بكرٍ.
          وقولُه: (لاَ أَتَحَمَّلُهَا حَيًّا وَلاَ مَيِّتًا) أي لا أجمعُ بينهما بأَنْ أتحمَّلَها حيًا وأغترَّ فأتحمَّلَها ميِّتًا.
          فَصْلٌ: ومبادرةُ الفاروقِ صبيحةَ اليومِ الَّذي تُوُفِّي فيه رسولُ الله صلعم بتقديمِ الصِّدِّيق لأنَّه أهمُّ الأمورِ بعد وفاةِ رسولِ الله صلعم، وبه يحسُنُ حالُ المسلمين ويرتفعُ الحَرَجُ بينهم.
          وقولُه: (قَدْ جَعَلَ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ نُورًا) يعني القرآنَ.
          وقولُه: (وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ صَاحِبُ رَسُولِ اللهِ صلعم، ثَانِيَ اثْنَيْنِ) ذَكَرَ هذِه بعد الأُولَى لانفرادِه بها، وهي أعظمُ فضائلِه الَّتي يستحقُّ مَن اتَّصَفَ بها الخلافةَ بعدَه، وغيرُه اشتركَ معه في مسمَّى الصُّحبةِ مع ما لَهُ مِن الفضائلِ الجمَّة.
          وقولُه: (وَإِنَّهُ أَوْلَى المُسْلِمِينَ بِأُمُورِكُمْ، فَقُومُوا فَبَايِعُوهُ) هذا منه رِضًا بتقديمِه ومبايعتِه.
          وقولُه لأبي بكْرٍ: (اصْعَدِ المِنْبَرَ) وإلحاحُه عليه في ذلك حتَّى يَشْهَدَهُ مَن عَرَفَهُ ومَن لم يَعْرِفْهُ.
          فَصْلٌ: قولُه: (إِنْ لَمْ تَجِدِينِي، فَأْتِي أَبَا بَكْرٍ) هذِه منه إشارةٌ لخلافتِه بعده. وقولُه لِوفْدِ بُزَاخَةَ ما قال فيه إشارةٌ إلى ما فَعَلَهُ الصِّدِّيق بعده في أهلِ الرِّدَّةِ فَأَعَزَّ اللهُ به الإسلامَ. وتقديمُه للصَّلاةِ أيضًا إشارةٌ للخلافةِ بعده لأنَّ مَن رَضِيَهُ للدِّينَ رَضِي به للدُّنيا.