نجاح القاري لصحيح البخاري

باب منتهى التلقي

          ░72▒ (بابُ مُنْتَهَى التَّلَقِّي) أي: منتهى جواز التلقِّي وهو إلى أعلى سوق البلد، وأمَّا التلقِّي المحرَّم فهو ما كان إلى خارج البلد، اعلم أنَّ التلقِّي له ابتداءٌ وانتهاءٌ أمَّا ابتداؤه فهو الخروج من منزله إلى السوق، وأمَّا انتهاؤه فهو من جهة الجالب لا حدَّ له، وأمَّا من جهة المتلقِّي فهو أن يخرج من أعلى السُّوق، وأمَّا التلقِّي في أعلى السُّوق فهو جائزٌ لِمَا في حديث ابن عمر ☻ أنَّهم كانوا يتبايعون في أعلى السُّوق، كما سيجيء إن شاء الله تعالى.
          وإن خرج عن السُّوق ولم يخرج عن البلد فقد صرَّح الشافعيَّة بأنه لا يدخل في النَّهي وحدُّ ابتداءِ التلقِّي عندهم الخروج من البلد، والمعنى فيه: أنَّهم إذا قدموا البلد أمكنهم معرفة السِّعر وطلب الأرفق لأنفسهم، فإن لم يفعلوا ذلك فهو من تقصيرهم، وأمَّا إمكان معرفتهم ذلك قبل دخول البلد فنادر.
          وقال مالكٌ: وأكره أن يُشْتَرى في نواحي المصر حتَّى يهبط إلى السوق، وقال ابن المنذر: وبلغني هذا القول عن أحمد وإسحاق أنَّهما نهيا عن التلقِّي خارج السوق، ورخَّصا في ذلك أعلاه كما هو ظاهر الحديث على ما سبق، ثمَّ إنَّ مطلق التلقِّي يتناول طول المسافة وقصرها، وهو ظاهر إطلاق الشافعيَّة وقيَّد المالكية محلَّ النَّهي بحدٍّ مخصوصٍ. ثمَّ اختلفوا فيه: فقيل ميل، وقيل: فرسخان، وقيل: يومان، وقيل: مسافة القصر، وهو قول الثوريِّ، وروى ابن القاسم، عن مالك: أنَّ الميل من المدينة تلقٍّ، وقيل له: فإن كان على ستَّة أميالٍ؟ قال: لا بأس بالشراء وليس بتلقٍّ.
          وروى أشهبُ عنه في الذين يخرجون ويشترون الفاكهة من مواضعها أنَّه لا بأس به؛ لأنَّه ليس بتلقٍّ؛ لأنَّهم يشترون من غير جالب، وقال ابنُ حبيب: لا يجوز للرجل في الحضر أن يشتريَ ما مرَّ به من السِّلع، وإن كان على بابه إذا كان لها مواقف في السُّوق تباع فيها وهو متلق إن فعل / ذلك وما لم يكن لها موقفٌ، وإنَّما يطاف بها فأدخلت أزقَّة الحاضرة، فلا بأس أن يشتريَ وإن لم تبلغِ السوق.
          وقال اللَّيث: من كان على بابه أو في طريقه فمرَّت به سلعةٌ فاشتراها فلا بأس بذلك، والمتلقِّي عنده الخارج القاصد إليه، وقال ابنُ حبيب: ومن كان موضعه غير الحاضرةِ قريباً منها، أو بعيداً لا بأس أن يشتري ما مرَّ به للأكل خاصَّةً لا للبيع.
          ورواه أشهبُ عن مالك هذا، وأمَّا عندنا معشر الحنفيَّة فمدار التلقِّي على الضَّرر وعدمه كما سبق [خ¦34/71-3380].