نجاح القاري لصحيح البخاري

باب من لم ير الوساوس ونحوها من المشبهات

          ░5▒ (بابُ) حال (مَنْ لَمْ يَرَ الْوَسَاوِسَ) جمع: وسوسة، وهي الحديث الخفيُّ كقوله تعالى: {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ} [طه:120] ووسوسةُ الشَّيطان ما يلقيه الشَّيطان في القلب، وأصله الحركة الخفيفة تصل إلى القلب في خفاءٍ، ووسوسة الرجل من نفسه الحديث الذي يحدث به نفسه، والموسوس هو الذي يُكثر الحديث في نفسه.
          وفي بعض النُّسخ: <الوسواس> وهو بمعنى الوسوسة، أو هو الشَّيطان وصوت الحليِّ يسمَّى وسواساً أيضاً، ومنه قول الشاعر:
إِنْ قِيْلَ شِعْرُكَ وَسْوَاسٌ هَذِيْتَ بِهِ                     فَقَدْ يُقَالُ لِصَوْتِ الحُلِيِّ وَسْوَاسُ
          (وَنَحْوَهَا مِنَ الشُبُهَاتِ) وفي بعض النسخ: <من المشبَّهات> بميمٍ وموحَّدة مثقَّلة، وفي بعضها: <من المشتبهات> من الاشتباه، وهذه الترجمة معقودةٌ لبيان ما يكره من التنطُّع في الورع.
          قال الغزاليُّ: الورع أقسام: ورع الصِّدِّيقين، وهو ترك ما لا يتناول بغير نيَّة القوَّةِ على العبادة، وورع المتَّقين: وهو تركُ ما لا شبهة فيه ولكن يخشى أن يجرَّ إلى الحرام، وورع الصَّالحين: وهو ترك ما لا يتطرَّق إليه احتمال التَّحريم بشرط أن يكون لذلك الاحتمال موقع، فإن لم يكن فهو ورع الموسوسين.
          قال: ووراء ذلك ورع الشُّهود: وهو ترك ما يسقط الشَّهادة؛ أي: أعمَّ من أن يكون ذلك المتروك حراماً أم لا انتهى، وغرض المؤلِّف هنا بيان ورع الموسوسين كمن يمتنع من أكل الصَّيد خشيةَ أن يكون الصيد (1) كان لإنسان ثمَّ أفلت منه، وكمن يترك شري ما يحتاجُ إليه من مجهولٍ لا يدري أماله حلالٌ أم حرامٌ، وليست هناك علامةٌ تدلُّ على الثاني، وكمن يترك تناول الشَّيء لخبرٍ ورد فيه، متَّفقٌ على ضعفه وعدم الاحتجاج به، ويكون دليل إباحته / قويًّا وتأويله ممتنع أو مستبعدٌ.


[1] ((خشية أن يكون الصيد)): ليست في (خ).