نجاح القاري لصحيح البخاري

باب قول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا}

          ░23▒ (باب: قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً} [آل عمران:130]) أي: لا تزيدوا زيادات مكرَّرة، و{أَضْعَافاً} جمع: ضعف، انتصب على أنَّه حال من المفعول؛ أي: متضاعفاً، ولَمَّا كان جمع قلة والمقصود الكثرة وصف بقوله: {مُضَاعَفَةً}.
          ولعلَّ التَّخصيص بحسب الواقع إذا كان الرجل منهم يربي إلى أجل، ثمَّ يزيد فيه بزيادةٍ أخرى حتى يستغرق بالشَّيء الطفيف مال المديون، روى مالك عن زيد بن أسلم: كان الربا في الجاهلية أن يكون للرجل على الرجل حقٌّ إلى أجل، فإذا حلَّ قال: أتقضي أم تربي؟ فإن قضاه أخذ وإلَّا زاده في حقِّه وزاده الآخر في الأجل.
          ورواه الطبرانيُّ من طريقين عن عطاء، ومن طريق مجاهد نحوه، ومن طريق قتادة: أنَّ ربا أهل الجاهليَّة كان يبيع الرجل البيع إلى أجلٍ مسمَّى فإذا حلَّ الأجل / ولم يكن عند صاحبه قضاءٌ زاد وأخَّر عنه، وأصل الرِّبا الزيادة إمَّا في نفس الشَّيء كقوله تعالى: {اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ} [الحج:5]، وإمَّا في مقابله كدرهمٍ بدرهمين، فقيل: هو حقيقة فيهما، وقيل: حقيقة في الأول مجاز في الثاني. وزاد ابن شريح أنَّه في الثاني حقيقة شرعيَّة. ويطلق الربا أيضاً على كلِّ بيع محرَّم.
          ({واتَّقُوا اللهَ} [آل عمران:130]) فيما نهيتم عنه، خاطب الله تعالى عباده ناهياً عن تعاطي الرِّبا وأكله أضعافاً مضاعفة، وأمرهم بالتقوى فيه ({لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون} [آل عمران:130]) راجين الفلاح في الدنيا والآخرة، ثمَّ توعَّدهم بالنار وحذَّرهم منها، فقال: {وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [آل عمران:131] بالتحرُّز عن متابعتهم وتعاطي أفعالهم.
          وفيه: تنبيهٌ على أنَّ النار بالذات معدَّةٌ للكافرين وبالعرض للعصاة، ثمَّ أتبع الوعيد بالوعد ترهيباً عن المخالفة وترغيباً في الطَّاعة، فقال: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [آل عمران:132]، ولعل وعسى في أمثال ذلك دليل عزَّة التوصل إلى ما جُعِلَ خبراً له.