نجاح القاري لصحيح البخاري

باب: لا يبيع حاضر لباد بالسمسرة

          ░70▒ (بابٌ لاَ يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ بِالسَّمْسَرَةِ) قال صاحب «المغرب»: السَّمسرة مصدر، وهو أن يتوكل الرَّجل من الحاضرة للقادمة فيبيع لهم ما يجلبونه. وفي «التلويح»: كذا هذا الباب في «صحيح البخاري»، وذكر ابن بطَّال: أنَّ في نسخته لا يشتري / حاضرٌ لبادٍ بالسمسرة، وكذا ترجم له الإسماعيلي وكذا بالقياس على البيع له، أو باستعمال لفظ: البيع في البيع والشراء على طريقة عموم المجاز أو استعمال المشترك في معنييه على اختلاف المذهبين.
          والحاصل: أنَّ الحاضر كما لا يبيع للبادي لا يشتري له.
          وقال ابن حبيب المالكيُّ: الشِّراء للبادِي مثل البيع له، وقد اختلف العلماء في شراء الحاضر للبادي فكرهته طائفةٌ، كما كرهوا البيع له. واحتجوا بأنَّ البيع في اللُّغة يقع على الشِّراء، كما يقع الشِّراء على البيع، كما في قوله تعالى: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ} [يوسف:20] أي: باعوه وهو من الأضداد.
          وروي ذلك عن أنسٍ ☺، وأجازت طائفةٌ الشراء لهم وقالوا: إنَّ النَّهي إنَّما جاء في البيع خاصة ولم يعدوا ظاهر اللفظ. وروي ذلك عن الحسن البصريِّ. واختلف قول مالكٍ في ذلك فمرَّة قال: لا يشتري له ولا يشتري عليه، ومرَّةً أجاز الشِّراء له، وبهذا قال الليث والشافعيُّ.
          (وَكَرِهَهُ ابْنُ سِيرِينَ وَإِبْرَاهِيمُ) أي: النخعيُّ (لِلْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي) أي: كرها شراء الحاضر للبادي، كما يكرهان بيعه له. أمَّا تعليق ابن سيرين فوصله أبو عَوَانة في «صحيحه» من طريق سلمة بن علقمة، عن ابن سيرين قال: لقيت أنس بن مالكٍ ☺ فقلت: لا يبيع حاضرٌ لبادٍ أنهيتم أن تبيعوا أو تبتاعوا لهم؟ قال: نعم.
          قال محمَّد: وصدق أنَّها كلمةٌ جامعة، وقد أخرجه أبو داود من طريق أبي بلال، عن ابن سيرين، عن أنسٍ ☺ بلفظ: ((كان يقالُ لا يبيع حاضرٌ لبادٍ، وهي كلمةٌ جامعةٌ لا يبيع له شيئاً ولا يبتاع له شيئاً)) انتهى.
          قوله: ((وهي كلمةٌ جامعة)) أراد به: أنَّ لفظ ((لا يبيع)) كما يستعمل في معنى البيع يُستعمل في معنى الشراء أيضاً.
          وأمَّا تعليق إبراهيم النخعيِّ فقال الحافظ العسقلانيُّ: لم أقف عنه لذلك صريحاً.
          وقال الكرمانيُّ: قال _أي: إبراهيم النخعيُّ_: لا يسمسر الحاضرُ للبادي البائع ولا للبادي المشتري وقال: والعرب قد تطلقُ البيع وتريد الشِّراء، هذا ولكنَّه لم يسنده.
          (وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ) أي: النخعيُّ (إِنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ: بِعْ لِي ثَوْباً، وَهْيَ تَعْنِي: الشِّرَاءَ) وإنَّما قال هذا الكلام في معرض / الاحتجاج لِمَا ذهب إليه من التَّسوية في الكراهةِ بين بيع الحاضرِ للبادي وبين شرائه له. وقال ابنُ حزم: وروي عن إبراهيم قال: كان يُعجبهم أن تصيبوا من الأعراب شيئاً. وقال أيضاً: بيع الحاضرِ للبادي باطلٌ فإن فعل فسخ البيع والشِّراء أبداً، وحكم فيه بحكم الغضب. وقال الترمذيُّ: ورخَّص بعضهم في أن يشتري حاضرٌ لباد، وقال الشافعيُّ: يكره أن يبيع حاضرٌ لباد، فإن باع فالبيع جائز.