نجاح القاري لصحيح البخاري

باب بركة صاع النبي ومدهم

          ░53▒ (بابُ بَرَكَةِ صَاعِ النَّبِيِّ صلعم وَمُدِّهِ) وفي رواية النسفيِّ: <ومدهم> بصيغة الجمع، وكذا لأبي ذرٍّ عن غير الكشميهنيِّ، وبه جزم الإسماعيليُّ وأبو نُعيم، وقال الحافظ العسقلانيُّ: والضَّمير يعود للمحذوف في صاع النَّبي صلعم أي: صاع أهل مدينة النَّبي صلعم ومدَّهم. ويحتمل أن يكون الجمع لإرادة التعظيم، انتهى.
          وتعقَّبه العيني بأنَّ الترجمة في بيان بركة صاع النَّبي صلعم / على الخصوص لا في بيان صاع (1) أهل المدينة، ولأهل المدينة صيعانٌ مختلفة فروى ابن حبَّان في «صحيحه» من حديث أبي هريرة ☺ أنَّ رسول الله صلعم قيل له: يا رسول الله! صاعنا أصغر الصِّيعان ومدَّنا أكبر الأمداد فقال: ((اللَّهم بارك لنا في صاعنا وبارك لنا في قليلنا وكثيرنا، واجعل لنا مع البركة بركتين))، قال ابن حبَّان: وفي ترك المصطفى صلعم الإنكار عليهم حيث قالوا صاعنا أصغر الصِّيعان بيانٌ واضحٌ أنَّ صاع المدينة أصغر الصِّيعان.
          وروى الدَّارقُطني من حديث إسحاق بن سليمان الرازي قال: قلت لمالك بن أنس: يا أبا عبد الله كم وزن صاع النَّبي صلعم ؟ قال: خمسة أرطال وثلث بالعراقي.
          وروى ابن أبي شيبة في «مصنفه» عن يحيى بن آدم قال: سمعت حسن بن صالحٍ يقول صاع عمر ☺ ثمانية أرطال، وقال شريك: أكثر من سبعةِ أرطال وأقلَّ من ثمانية، وروى البخاريُّ في «صحيحه» عن السَّائب بن يزيد قال: كان الصَّاع على عهد رسول الله صلعم مدًّا وثلاثاً بمدِّكم اليوم فزيد فيه في زمن عمر بن عبد العزيز.
          وروى الطَّحاويُّ عن ابن أبي عمران قال:حدَّثناعلي بن صالح وبشر بن الوليد جميعاً عن أبي يوسف قال: قدمت المدينة فأخرج إليَّ من أثقُ به صاعاً فقال: هذا صاع النَّبي صلعم فقدَّرته فوجدته خمسة أرطال وثلث رطل، ثمَّ قال إنَّ مالكاً سأل عن ذلك فقال هو تحرِّي عبد الملك لصاع عمر بن الخطاب ☺، وروى الطحاويُّ أيضاً من حديث إبراهيم قال عيَّرنا الصَّاع فوجدنا حجاجيا والحجَّاجيُّ عندهم ثمانية أرطال بالبغدادي انتهى.
          وأيضاً الأصل خلاف التقدير، وأيضاً فلا ضرورة إليه، وأمَّا وجه الضَّمير في رواية ومدِّهم فهو أن يعود إلى أهل المدينة، وإن لم يمض ذكرهم؛ لأنَّ القرينة تدلُّ عليه وهو لفظ الصاع والمدِّ؛ لأنَّ أهل المدينة اصطلحوا على لفظ الصاع والمدِّ كما أنَّ أهل العراق اصطلحوا على لفظ المكوك، قال القاضي عياض: المكوك مكيال أهل العراق يسع صاعاً ونصف صاع بالمدني، وكما أنَّ أهل مصر اصطلحوا على القدح والربع والريبة، وإذا / ذكر الصَّاع يتبادر أذهان الناس غالباً إلى أنَّهما لأهل المدينة.
          (فِيهِ) أي: في صاع النَّبي صلعم يعني في دعائه ╕ بالبركة فيه مرويٌّ (عَنْ عَائِشَةَ ♦، عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) وهو ما أخرجه البخاريُّ موصولاً في آخر كتاب الحج، في حديثٍ طويلٍ عن عائشة ♦ وفيه: ((اللهم بارك لنا في صاعنا وفي مدِّنا)) [خ¦1889].


[1] في هامش الأصل: الصاع: أربعة أمداد، كل مد: رطل وثلث، والرطل: اثنتا عشر أوقية، والأوقية: استار وثلثا استار، والإستار: أربعة مثاقيل ونصف، والمثقال: درهم وثلاثة أسباع درهم، والدرهم: ستة دوانيق، والدانق: قيراطان، والقيراط: طُسوجان، والطسوج: حبتان، والحبة: سدس ثمن درهم، وهو جزء من ثمانية وأربعين جزءاً من درهم. منه.