نجاح القاري لصحيح البخاري

باب: البيعان بالخيار ما لم يتفرقا

          ░44▒ (بابٌ) بالتنوين (الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ ☻ ) أي: بخيار المجلس، وقد مضى أنَّ ابن عمر ☻ كان إذا اشترى شيئاً يعجبه فارق صاحبه. وروى الترمذيُّ من طريق ابن فضيل عن يحيى بن سعيد: وكان ابن عمر ☻ إذا ابتاع بيعاً وهو قاعدٌ قام؛ ليجب له. وقد ذُكِرَ عن مسلم نحوُه.
          (وَشُرَيْحٌ) بالرفع عطف على قوله: ابن عمر، وما بعده عطف عليه، وشريح _بضم الشين المعجمة وفي آخره حاء مهملة_ هو: ابنُ الحارث الكندي أبو أميَّة الكوفي، أدرك النَّبي صلعم ولم يلقه. استقضاه عمر بن الخطاب ☺ على الكوفة، وأقرَّه عليُّ بن أبي طالب ☺، وأقام على القضاء ستِّين سنة، مات في سنة ثمان وسبعين، وقيل: سنة ثمانين، وكان له عشرون ومائة سنة.
          وتعليق شريح هذا وصله سعيد بن منصور، عن هُشيم، عن محمد بن عليٍّ: سمعت أبا الضُّحى يحدِّث أنَّه شهد شريحاً، واختصم إليه رجلان: اشترى أحدهما من الآخر داراً بأربعة آلاف فأوجبها له، ثمَّ بدا له في بيعها قبل أن يفارقه صاحبه، فقال: لا حاجةَ لي فيها، فقال البائع: قد بعتُك فأوجبت لك. فاختصما / إلى شريحٍ، فقال: هو بالخيار ما لم يتفرَّقا، قال محمد: وشهدتُ الشَّعبي قضى بذلك.
          وروى ابن أبي شيبة عن وكيع عن شعبة عن الحكم عن شريح، قال: ((البيِّعان بالخيار ما لم يتفرَّقا)).
          (وَالشَّعْبِيُّ) هو: عامرُ بن شراحيل، وهذا وصله ابنُ أبي شيبة، فقال: حدَّثنا جريرٌ عن مغيرة، عن الشَّعبي أنَّه أُتِيَ في رجل اشترى من رجل بِرْذَونا فأراد أن يردَّه قبل أن يتفرَّقا، فقضى الشعبيُّ أنَّه قد وجب البيع، فشهد عنده أبو الضُّحى أنَّ شريحاً أُتِيَ في مثل ذلك فردَّه على البائع، فرجع الشعبيُّ إلى قول شريح.
          (وَطَاوُسٌ) هو: ابنُ كِيسان اليماني، ووصل تعليقه الشافعي في «الأم» فقال: أنا ابن عُيينة، عن عبد الله بن طاوس، عن أبيه قال: خيَّر رسول الله صلعم رجلاً بعد البيع. قال: وكان أبي يحلف: ما الخيار إلَّا بعد البيع.
          (وَعَطَاءٌ) هو: ابنُ أبي رباح المكِّي (وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ) بضم الميم، هو: عبد الله بن أبي مليكة. ووصل تعليقهما ابن أبي شيبة عن جرير عن عبد العزيز بن رفيع، عن ابن أبي مليكة وعطاء، قالا: البيِّعان بالخيار حتى يتفرقا عن رضاً. ونقل ابن المنذر القول به أيضاً، عن سعيد بن المسيِّب والزهري وابن أبي ذئب _من أهل المدينة_ وعن الحسن البصريِّ والأوزاعي وابن جريج وغيرهم، وبالغ ابن حزم فقال: لا نعلم لهم مخالفاً في التَّابعين إلا النخعي وحده، ورواية مكذوبة عن شريح، والصَّحيحُ عنه القولُ به.
          وأشار إلى ما رواه سعيد بن منصور عن أبي معاوية، عن حجَّاج، عن الحكم، عن شريح، قال: إذا تكلم الرجل بالبيع فقد وجب البيعُ. وإسناده ضعيفٌ لأجل حجَّاج وهو ابنُ أرطأة.