إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث عمر: وافقت ربي في ثلاث

          402- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ) بالنُّون، أبو عثمان الواسطيُّ البزَّاز _بزايَين_ نزيل البصرة، المُتوفَّى سنة خمسٍ وعشرين ومئتين (قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ) بضمِّ الهاء وفتح الشِّين المُعجمَة وسكون المُثنَّاة، ابن بَشِيرٍ، بفتح المُوحَّدة وكسر المُعجمَة (عَنْ حُمَيْدٍ) الطَّويل (عَنْ أَنَسٍ) وللأَصيليِّ: ”أنس بن مالك“ (قَالَ: قَالَ عُمَرُ) بن الخطَّاب، وللأَصيليِّ ” ☺ “: (وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلَاثٍ) أي: وافقني ربِّي فيما أردت(1) أن يكون شرعًا، فأُنزِل القرآن على وفق ما رأيت، لكن لرعاية الأدب أسند المُوافقَة إلى نفسه، كذا قال العينيُّ كابن حجرٍ وغيره، لكن قال صاحب «اللَّامع»: لا يحتاج إلى ذلك، فإنَّ(2) مَن وافقك فقد وافقته. انتهى. قال في «الفتح»: أو أشار به إلى حدوث(3) رأيه وقِدَم الحكم. انتهى. في التَّفسير في سورة «البقرة»: وافقت ربِّي في ثلاثٍ، أو وافقني ربِّي في ثلاثٍ(4)، وقوله: «في ثلاثٍ» أي: قضايا أو أمورٍ، ولم يُؤنِّث مع أنَّ الأمر مُذكَّرٌ لأنَّ التَّمييز إذا لم يكن مذكورًا جاز في لفظ العدد التَّذكير والتَّأنيث، وليس في تخصيصه العدد بالثَّلاث ما ينفي الزِّيادة، فقد رُوِي عنه موافقاتٌ بلغت الخمسة عشر: كقصَّة(5) أسارى بدرٍ، وقصَّة الصَّلاة على المنافقين، وتحريم الخمر، ويحتمل أن يكون ذلك قبل الموافقة في غير الثَّلاث، ونُوزِع فيه لأنَّ عمر أخبر بهذا بعد موته صلعم ، فلا يتَّجه ما ذكر من ذلك. (قُلْتُ) ولغير الأربعة: ”فَقُلْتُ“: (يَا رَسُولَ اللهِ، لَوِ اتَّخَذْنَا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) بين يدي القبلة يقوم الإمام عنده، بحذف جواب «لو»، أو هي للتَّمنِّي فلا تفتقر لجوابٍ(6)، وعند ابن مالكٍ: هي «لو» المصدريَّة أغنت عن فعل التَّمنِّي (فَنَزَلَتْ { وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى }[البقرة:125] وَآيَةُ الحِجَابِ) برفع «آيةُ» على الابتداء، والخبر محذوفٌ، أي: كذلك، أو على العطف‼ على مُقدَّرٍ، أي: اتِّخاذ مُصلًّى وآيةُ الحجاب، وبالنَّصب على الاختصاص، وبالجرِّ عطفًا على مقدَّر، أي: اتخاذ مصلًّى من مقام إبراهيم، وهو بدلٌ من قوله: «ثلاثٍ» / (قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَوْ أَمَرْتَ نِسَاءَكَ أَنْ يَحْتَجِبْنَ، فَإِنَّهُ يُكَلِّمُهُنَّ البَرُّ) بفتح المُوحَّدة صفةٌ مُشبَّهةٌ (وَالفَاجِرُ) الفاسق، وهو مقابل البَرِّ (فَنَزَلَتْ آيَةُ الحِجَابِ) { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ }[الأحزاب:59] (وَاجْتَمَعَ نِسَاءُ النَّبِيِّ صلعم فِي الغَيْرَةِ عَلَيْهِ) بفتح الغين المُعجمَة، وهي الحميَّة والأَنَفة (فَقُلْتُ لَهُنَّ: عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبَدِّلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ) ليس فيه ما يدلُّ على أنَّ في النِّساء خيرًا منهنَّ لأنَّ المُعلَّق بما لم يقع لا يجب وقوعه (فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ)(7).
          وبه قال: (حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ) ”سعيد بن محمَّد بن الحكم“ كذا في رواية كريمة، ولأبي ذَرٍّ عن المُستملي: ”قال أبو عبد الله“ أي: المؤلِّف: ”وحدَّثنا ابن أبي مريم“ ولابن عساكر: ”قال محمَّدٌ“ أي: المؤلِّف أيضًا، وللأصيِليِّ وأبي ذَرٍّ عن الحَمُّويي والكُشْمِيْهَنِيِّ: ”وقال ابن أبي مريم“: (أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ) الغافقيُّ (قَالَ: حَدَّثَنِي) بالإفراد (حُمَيْدٌ) الطَّويل (قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا) أي: ابن مالكٍ (بِهَذَا) أي: بالحديث المذكور سندًا ومتنًا، وفائدة إيراد هذا الإسناد: ما فيه من التَّصريح بسماع حُمَيْدٍ من أنسٍ، فحصل الأمن من تدليسه، واستُشكِل بأنَّ يحيى بن أيُّوب لم يحتجَّ به البخاريُّ، وإن خرَّج له في المتابعات، وأُجيب بأنَّ هذا من جملة المتابعات، ولم ينفرد يحيى بن أيُّوب بالتَّصريح المذكور فقد أخرجه الإسماعيليُّ من رواية يوسف القاضي عن أبي الرَّبيع الزَّهرانيِّ عن هُشَيْمٍ: أخبرنا حُمَيْدٌ حدَّثنا أنسٌ، قاله في «الفتح».


[1] في (م): «أركن».
[2] في (د) و(م): «لأنَّ».
[3] في (ج): «حَدَثِ».
[4] قوله: «انتهى. في التَّفسير في سورة البقرة: وافقت ربِّي في ثلاثٍ، أو وافقني ربِّي في ثلاثٍ» مثبتٌ من (م).
[5] في (س): «من مشهورها القصَّة».
[6] في (ب) و(س): «إلى جوابٍ».
[7] مراده: {عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ}.