عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

حديث: خرجنا مع رسول الله لا نذكر إلا الحج
  
              

          1772- (ص) قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: وَزَادَنِي مُحَمَّدٌ: حَدَّثَنَا مُحَاضِرٌ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ / رَسُولِ اللهِ صلعم لَا نَذْكُرُ إِلَّا الْحَجَّ، فَلَمَّا قَدِمْنَا أَمَرَنَا أَنْ نَحِلَّ، فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ النَّفْرِ؛ حَاضَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلعم : «حَلْقَى عَقْرَى، مَا أُرَاهَا إِلَّا حَابِسَتَكُمْ»، ثُمَّ قَالَ: «كُنْتِ طُفْتِ يَوْمَ النَّحْرِ؟»، قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: «فَانْفِرِي»، قُلْت: يَا رَسُولَ اللهِ؛ إِنِّي لَمْ أَكُنْ حَلَلْتُ، قَالَ: «فَاعْتَمِرِي مِنَ التَّنْعِيمِ»، فَخَرَجَ مَعَهَا أَخُوهَا، فَلَقِينَاهُ مُدَّلِجًا، فَقَالَ: «مَوْعِدُكِ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا».
          (ش) قد ذكرنا وجهَ المطابقة للترجمة.
          قوله: (قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ) هو البُخَاريُّ نفسُه.
          قوله: (وَزَادَنِي مُحَمَّدٌ) أي: في الحديث المذكور، وقد اختُلِفَ في مُحَمَّدٍ هذا؛ فزعم الجَيَّانيُّ أنَّ مُحَمَّدًا هذا هو الذهليُّ، واقتصر عليه المِزِّيُّ في «تهذيبه»، فقال: يقال: الذهليُّ، ووقع في رواية أبي عليِّ ابن السكن: مُحَمَّد بن سلَام.
          و(مُحَاضِرٌ) بِضَمِّ الميم، على وزن اسمِ الفاعلِ، مِنَ المحاضرة، مِنَ الحضور؛ ضدُّ (الغَيبة) ابن المُوَرِّع _بِضَمِّ الميم وفتح الواوِ وكسر الراء المشدَّدة وفي آخره عينٌ مُهْمَلةٌ_ الهَمْدَانيُّ الياميُّ، مات سنة ستٍّ ومئتين، استشهد به البُخَاريُّ، وأخرج له مسلمٌ فردَ حديثٍ: «مَن يدعوني فأستجيب له...» الحديث، وهو صدوقٌ مُغَفَّل، قال أحمدُ: كان مُغفَّلًا جدًّا، وقيل: لم يخرِّج البُخَاريُّ عنه إلَّا تعليقًا، لكنَّ ظاهرَ هذا الموضعِ الوصلُ.
          قوله: (مَا أُرَاهَا) أي: ما أرى صفيَّةَ (إِلَّا حَابِسَتَكُمْ) عَنِ النَّفر.
          قوله: (كُنْتِ طُفْتِ) أصله: أكنتِ طُفْتِ؟ بالاستفهامِ عن طوافِها يومَ النحر.
          قوله: (قُلْتُ) أي: قالت عائشةُ: (قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ إِنِّي لَم أَكُنْ حَلَلْتُ) أي: حينَ قَدِمْتُ مكَّةَ بأنِّي لم أتمتَّع، بل كنتُ قارنة.
          قوله: (قَالَ: فَاعْتَمِرِي) أي: قالَ لها النَّبِيُّ صلعم : «فاعتَمِري»، وإِنَّما أمرَها بالاعتمار لتطييبِ قلبِها حيثُ أرادت أن تكونَ لها عَمْرةٌ منفردةٌ مستقلَّةٌ كما لسائر أمَّهات المؤمنين، وإِنَّما خصَّ التنعيمَ بالذِّكرِ مع أنَّ جميعَ جهات الحِلِّ سواءٌ فيه، والإحرامُ مِنَ التنعيم غيرُ واجبِ؛ إمَّا لأنَّه كانَ أسهلَ عليها، وإمَّا لغرضٍ آخر، وقال القاضي عياضٌ بوجوبِ الإحرامِ منه، قال: وهو ميقاتُ المُعتَمِر مِن مكَّة.
          قوله: (فَخَرَجَ مَعَهَا أَخُوهَا) أي: فخرج معَ عائشةَ أخوها عبدُ الرَّحْمَنِ بن أبي بكرٍ، ♥ .
          قوله: (فَلَقِينَاهُ) أي: لقينا النَّبِيَّ صلعم ، [قائلُ هذا هو عائشةُ، أرادتْ أنَّها وأخاها لقيَا النَّبِيَّ صلعم ] (مُدَّلِجًا) أي: حالَ كونِه مُدَّلجًا؛ أي: سائرًا مِن آخر اللَّيل، فَإِنَّهُما لمَّا رَجَعا إلى المنزل بعدَ أن قضت عائشةُ العمرةَ؛ صادَفا النَّبِيَّ صلعم مُتوجِّهًا إلى طواف الوداع، وقد ذكرنا أنَّ (مُدَّلجًا) بتشديد الدالِ، من(الادِّلَاج) بتشديدِ الدال، وهو السيرُ مِنَ آخر اللَّيل، وأَمَّا (الإدْلاج) بسكون الدالِ؛ فهو السَّيرُ مِن أَوَّل اللَّيل، وقد ذكرناه عن قريبٍ.
          قوله: (فَقَالَ: مَوْعِدُكِ) أي: قالَ النَّبِيُّ صلعم لعائشةَ: «موعدك»، وأرادَ به موضعَ المنزِلَةِ، وقال الكَرْمَانِيُّ: فَإِنْ قُلْتَ: «المَوعِدُ» هو موضعٌ تكلَّم بهذا رسولُ الله صلعم ، ووعدها الاجتماعَ لإمكانِ كذا وكذا، فَإِنَّهُ مكانُ وفاءِ العهد.
          قُلْت: (المَوعِدُ) مصدرٌ ميميٌّ، بمعنى الموعودِ والمكان مقدَّرٌ، أو الوعدُ الذي في ضمنِ اسم المكان هو معنى الموعود انتهى.
          قُلْت: فيه تعسُّفٌ لا يخفى، والحاصلُ: أنَّهُ صلعم لمَّا لقيَهما؛ قال لعائشة: موضِعُ المنزلة كذا وكذا؛ يعني: تكونُ الملاقاةُ هناك، حَتَّى إذا عادَ النَّبِيُّ صلعم مِن طوافه للوداع يجتمِعُ بها هناك للرَّحيلِ، والله أعلمُ. /