عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب: إذا وقف في الطواف
  
              

          ░68▒ (ص) باب إِذَا وَقَفَ فِي الطَّوَافِ.
          (ش) أي: هذا باب يُذكَر فيه إذا وقف الطائف في طوافه هل ينقطع طوافه أم لا ينقطع؟ وإِنَّما أطلق لوجود الاختلاف فيه، فعند الْجُمْهُور: إذا عرض له أمرٌ في طوافه فوقف؛ يبني ويتمُّه ولا يستأنف طوافه، وقال الحسن: إذا أقيمت عليه الصلاة وهو في الطَّوَاف فقطعه، فَإِنَّهُ يستأنف ولا يبني على ما مضى، وقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: ولا أعلم قاله غيره، وقَالَ ابن بَطَّالٍ: جمهور العلماء يرون لمن أُقيمَت عليه الصلاة البناءَ على طوافه إذا فرغ من صلاته، روي هذا عَنِ ابْنِ عُمَرَ، والنَّخَعِيِّ، وعَطَاء، وابْن الْمُسَيَّبِ، وطَاوُوس، وبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، ومَالِك، والشَّافِعِيُّ، وأَحْمَد، وإِسْحَاقُ، وأَبُو ثَوْرٍ، وفي «شرح المهذَّب»: فإن حضرت جنازة في أثناء الطَّوَاف فمذهب الشَّافِعِيِّ ومَالِك إتمامُ الطَّوَاف أولى، وبِهِ قَالَ عَطَاء وعمرو بن دِينَار، وقال أَبُو ثَوْرٍ: لا يخرج، وإن خرج استأنف، وقال أَبُو حَنِيفَةَ والْحَسَن بن صَالِح: يخرج لها.
          (ص) وَقَالَ عَطَاءٌ فِيمَنْ يَطُوفُ فَتُقَامُ الصَّلَاةُ أَوْ يُدْفَعُ عَنْ مَكَانِهِ إِذَا سَلَّمَ: يَرْجِعُ إِلَى حَيْثُ قُطِعَ عَلَيْهِ فَيَبْنِي.
          (ش) (عَطَاءٌ) هو ابن / أَبِي رَبَاحٍ، وقَالَ الكَرْمَانِيُّ: إِنَّما لم يذكر البُخَاريُّ حديثًا يدلُّ على التَّرْجَمَة إشارة إلى أنَّهُ لم يجد فِي الْبَابِ حديثًا بشرطه.
          قُلْت: لم يلتزم البُخَاريُّ ما ذكره، فَإِنَّهُ إذا ذكر ترجمة وأتى بأثر مِن صحابيٍّ أو تابعيٍّ مطابقٍ للترجمة فَإِنَّهُ يكفي، وذكرُ ما قاله عَطَاء _وهو تابعيُّ كبير_ يبيِّن مراده من التَّرْجَمَة، وهو أنَّ الطائف إذا حصل له شيء فقطع طوافه فَإِنَّهُ يبني على ما مضى ولا يستأنف.
          وَوَصَلَ هَذَا المعلَّق عَبْد الرَّزَّاقِ عن ابن جُرَيْجٍ: قلت لعَطَاء: الطَّوَاف الَّذِي تقطعه عليَّ الصلاة وأعتدُّ به أيجزئ؟ قال: نعم، وأحبُّ إليَّ ألَّا يعتدَّ به، قال: فأردت أن أركع قبل أن أتمَّ سبعي؟ قال: لا، أوفِ سبعك إلَّا أن تمنع من الطَّوَاف، وقال سعيد بن مَنْصُور: حَدَّثَنَا هُشَيم: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ عَنْ عَطَاء: أنَّهُ كان يقول في الرجل يطوفُ بعض طوافه ثُمَّ يحضر الجنازة: يخرج فيصلِّي عليها، ثُمَّ يرجع فيقضي ما بقي عليه من طوافه.
          قوله: (فَيَبْنِي) أي: على طوافه؛ أي: يعتبر ما سلف منه، ويتمُّ الباقي، ولا يستأنف الطَّوَاف.
          (ص) وَيُذْكَرُ نَحْوُهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَعَبْدِ الرَّحْمَن بْنِ أَبِي بَكْرٍ [ ♥ .
          (ش) أي: يُذكَر نحوُ ما قال عَطَاء عن عَبْد اللهِ (ابن عُمَرَ) و(عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ) ]
الصِّدِّيق.
          أَمَّا ما رُوي عَنِ ابْنِ عُمَرَ فقد وصله سعيد بن مَنْصُور: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بن زَكَرِيَّا عن جَمِيل بن زَيْد قال: رأيت ابن عُمَرَ طاف بالبيت، فأقيمت الصلاة فَصَلَّى مع القوم ثُمَّ قام فبنى على ما مضى من طوافه.
          وأَمَّا ما روي عن عَبْد الرَّحْمَن بن أَبِي بَكْر؛ فقد وصله عَبْد الرَّزَّاقِ عن ابن جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاء: أنَّ عَبْد الرَّحْمَن بن أَبِي بَكْر طاف في إمارة عَمْرو بن سَعِيد على مَكَّة _يعني: في خلافة مُعَاوِيَة_ فخرج عَمْرو إلى الصلاة فقال له عَبْد الرَّحْمَن: أنظرني حَتَّى أنصرفَ على وتر، فانصرف على ثَلَاثَة أطواف؛ يعني: ثُمَّ صَلَّى، ثُمَّ أتمَّ ما بقي.