عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب الحلق والتقصير عند الإحلال
  
              

          ░127▒ (ص) بابُ الْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ عِنْدَ الإِحْلَالِ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيانِ الحلق والتقصير فيه عندِ إحلالِه مِنَ الإحرام، قيل: أشار البُخَاريُّ بهذه الترجمة أنَّ الحلق نسكٌ؛ لقوله (عِنْدَ الإِحْلَالِ) وهو قولُ الجمهورِ، إلَّا في رواية ضعيفةٍ عن الشَّافِعِيِّ: أنَّهُ استباحةُ محظورٍ.
          قُلْت: وجمهورُ العلماء على أنَّ مَن لبَّد رأسَه وجبَ عليه الحلاقُ، كما فعلَ النَّبِيُّ صلعم ، وبذلك أمر الناسَ عُمَرُ بنُ الخَطَّاب وابنُ عمر، وهو قولُ مالكٍ والثَّوْريِّ والشَّافِعِيِّ وأحمدَ وإسحاقَ وأبي ثور، وكذلك لو ضفرَ رأسَه أو عقصَه؛ كان حكمُه حكمَ التَّلبيد، وفي «كامل ابن عَدِيٍّ» مِن حديث ابن عمر مرفوعًا: «مَن لبَّد رأسَه للإحرام؛ فقد وجب عليه الحلق»، وقال أبو حنيفة: مَن لبَّد رأسه أو ضفره؛ فإن قصَّر ولم يحلق؛ أجزأه، وروي عن ابنِ عَبَّاسٍ أنَّهُ كان يقولُ: (مَن لبَّد أو عقَصَ أو ضفَر؛ فإن نوى الحلق؛ فلْيحلق، وإن لم ينوِه؛ فإن شاء حلَقَ وإن شاء قصَّرَ)، وقال شيخنا زين الدين في «شرح التِّرْمِذيِّ»: إنَّ الحلق نسكٌ، قاله النَّوَوِيُّ، وهو قولُ أكثر أهل العلمِ، وهو القول الصحيح للشَّافعيِّ، وفيه خمسة أوجه؛ أصحُّها: أنَّهُ ركن لا يصحُّ الحجُّ والعمرة إلَّا به، والثاني: أنَّهُ واجب، والثالث: أنَّهُ مُستحَبُّ، والرابع: أنَّهُ استباحةُ محظور، والخامس: أنَّهُ ركنٌ في الحجِّ واجبٌ في العمرة، وإليه ذهب الشيخ أبو حامد وغيرُ واحدٍ مِنَ الشَّافِعِيَّة.