-
خطبة الشارح
-
كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله
-
كتاب الإيمان
-
كتاب العلم
-
كتاب الوضوء
-
كتاب الغسل
-
كتاب الحيض
-
كتاب التيمم
-
كتاب الصلاة
-
كتاب مواقيت الصلاة
-
كتاب الأذان
-
أبواب صفة الصلاة
-
كتاب الجمعة
-
أبواب صلاة الخوف
-
كتاب العيدين
-
كتاب الوتر
-
كتاب الاستسقاء
-
كتاب الكسوف
-
أبواب سجود القرآن
-
أبواب تقصير الصلاة
-
أبواب التهجد
-
أبواب التطوع
-
كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة
-
أبواب العمل في الصلاة
-
أبواب السهو
-
كتاب الجنائز
-
كتاب الزكاة
-
أبواب صدقة الفطر
-
كتاب الحج
-
باب وجوب الحج وفضله
-
باب قول الله تعالى: {يأتوك رجالا وعلى كل ضامر}
-
باب الحج على الرحل
-
باب فضل الحج المبرور
-
باب فرض مواقيت الحج والعمرة
-
باب قول الله تعالى: {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى}
-
باب مهل أهل مكة للحج والعمرة
-
باب ميقات أهل المدينة ولا يهلوا قبل ذى الحليفة
-
باب مهل أهل الشام
-
باب مهل أهل نجد
-
باب مهل من كان دون المواقيت
-
باب مهل أهل اليمن
-
باب: ذات عرق لأهل العراق
-
باب
-
باب خروج النبي على طريق الشجرة
-
باب قول النبي: العقيق واد مبارك
-
باب غسل الخلوق ثلاث مرات من الثياب
-
باب الطيب عند الإحرام وما يلبس إذا أراد أن يحرم ويترجل ويدهن
-
باب من أهل ملبدا
-
باب الإهلال عند مسجد ذي الحليفة
-
باب ما لا يلبس المحرم من الثياب
-
باب الركوب والارتداف في الحج
-
باب ما يلبس المحرم من الثياب والأردية والأزر
-
باب من بات بذي الحليفة حتى أصبح
-
باب رفع الصوت بالإهلال
-
باب التلبية
-
باب التحميد والتسبيح والتكبير قبل الإهلال عند الركوب
-
باب من أهل حين استوت به راحلته
-
باب الإهلال مستقبل القبلة
-
باب التلبية إذا انحدر في الوادي
-
باب: كيف تهل الحائض والنفساء؟
-
باب من أهل في زمن النبي كإهلال النبي
-
باب قول الله تعالى: {الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج}
-
باب التمتع والإقران والإفراد بالحج
-
باب من لبى بالحج وسماه
-
باب التمتع على عهد النبي
-
باب قول الله تعالى: {ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام}
-
باب الاغتسال عند دخول مكة
-
باب دخول مكة نهارا أو ليلا
-
باب: من أين يدخل مكة؟
-
باب: من أين يخرج من مكة؟
-
باب فضل مكة وبنيانها
-
باب فضل الحرم
-
باب توريث دور مكة وبيعها وشرائها
-
باب نزول النبي مكة
-
باب قول الله تعالى: {وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا}
-
باب قول الله تعالى: {جعل الله الكعبة البيت الحرام}
-
باب كسوة الكعبة
-
باب هدم الكعبة
-
باب ما ذكر في الحجر الأسود
-
باب إغلاق البيت ويصلي في أي نواحي البيت شاء
-
باب الصلاة في الكعبة
-
باب من لم يدخل الكعبة
-
باب من كبر في نواحي الكعبة
-
باب كيف كان بدء الرمل
-
باب استلام الحجر الأسود حين يقدم مكة أول ما يطوف ويرمل ثلاثا
-
باب الرمل في الحج والعمرة
-
باب استلام الركن بالمحجن
-
باب من لم يستلم إلا الركنين اليمانيين
-
باب تقبيل الحجر
-
باب من أشار إلى الركن إذا أتى عليه
-
باب التكبير عند الركن
-
باب من طاف بالبيت إذا قدم مكة قبل أن يرجع إلى بيته
-
باب طواف النساء مع الرجال
-
باب الكلام في الطواف
-
باب: إذا رأى سيرا أو شيئا يكره في الطواف قطعه
-
باب: لا يطوف بالبيت عريان ولا يحج مشرك
-
باب: إذا وقف في الطواف
-
باب: صلى النبي لسبوعه ركعتين
-
باب من لم يقرب الكعبة ولم يطف حتى يخرج إلى عرفة
-
باب من صلى ركعتي الطواف خارجا من المسجد
-
باب من صلى ركعتي الطواف خلف المقام
-
باب الطواف بعد الصبح والعصر
-
باب المريض يطوف راكبا
-
باب سقاية الحاج
-
باب ما جاء في زمزم
-
باب طواف القارن
-
باب الطواف على الوضوء
-
باب وجوب الصفا والمروة وجعل من شعائر الله
-
باب ما جاء في السعي بين الصفا والمروة
-
باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت.
-
باب الإهلال من البطحاء وغيرها للمكي وللحاج إذا خرج إلى منى
-
باب: أين يصلي الظهر يوم التروية
-
باب الصلاة بمنى.
-
باب صوم يوم عرفة
-
باب التلبية والتكبير إذا غدا من منى إلى عرفة
-
باب التهجير بالرواح يوم عرفة
-
باب الوقوف على الدابة بعرفة
-
باب الجمع بين الصلاتين بعرفة
-
باب قصر الخطبة يوم عرفة
-
باب التعجيل إلى الموقف
-
باب الوقوف بعرفة
-
باب السير إذا دفع من عرفة
-
باب النزول بين عرفة وجمع
-
باب أمر النبي بالسكينة عند الإفاضة وإشارته إليهم بالسوط
-
باب الجمع بين الصلاتين بالمزدلفة
-
باب من جمع بينهما ولم يتطوع
-
باب من أذن وأقام لكل واحدة منهما
-
باب من قدم ضعفة أهله بليل فيقفون بالمزدلفة ويدعون
-
باب متى يصلي الفجر بجمع؟
-
باب: متى يدفع من جمع؟
-
باب التلبية والتكبير غداة النحر حين يرمي الجمرة
-
باب: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي}
-
باب ركوب البدن
-
باب من ساق البدن معه
-
باب من اشترى الهدي من الطريق
-
باب من أشعر وقلد بذي الحليفة ثم أحرم
-
باب فتل القلائد للبدن والبقر
-
باب إشعار البدن
-
باب من قلد القلائد بيده
-
باب تقليد الغنم
-
باب القلائد من العهن
-
باب تقليد النعل
-
باب الجلال للبدن
-
باب من اشترى هديه من الطريق وقلده
-
باب ذبح الرجل البقر عن نسائه من غير أمرهن
-
باب النحر في منحر النبي بمنى
-
باب من نحر بيده
-
باب نحر الإبل مقيدة
-
باب نحر البدن قائمة
-
باب لا يعطى الجزار من الهدي شيئا
-
باب يتصدق بجلود الهدي
-
باب: يتصدق بجلال البدن
-
باب: {وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت}
-
باب: ما يأكل من البدن وما يتصدق
-
باب الذبح قبل الحلق
-
باب من لبد رأسه عند الإحرام وحلق
-
باب الحلق والتقصير عند الإحلال
-
باب تقصير المتمتع بعد العمرة
-
باب الزيارة يوم النحر
-
باب: إذا رمى بعد ما أمسى أو حلق قبل أن يذبح ناسيا أو جاهلا
-
باب الفتيا على الدابة عند الجمرة
-
باب الخطبة أيام منى
-
باب: هل يبيت أصحاب السقاية أو غيرهم بمكة ليالي منى؟
-
باب رمي الجمار
-
باب رمي الجمار من بطن الوادي
-
باب رمي الجمار بسبع حصيات
-
باب من رمى جمرة العقبة فجعل البيت عن يساره
-
باب: يكبر مع كل حصاة
-
باب من رمى جمرة العقبة ولم يقف
-
باب: إذا رمى الجمرتين يقوم ويسهل مستقبل القبلة
-
باب رفع اليدين عند جمرة الدنيا والوسطى
-
باب الدعاء عند الجمرتين
-
باب الطيب بعد رمي الجمار والحلق قبل الإفاضة
-
باب طواف الوداع
-
باب: إذا حاضت المرأة بعد ما أفاضت
-
باب من صلى العصر يوم النفر بالأبطح
-
باب المحصب
-
باب النزول بذي طوى قبل أن يدخل مكة
-
باب من نزل بذى طوى إذا رجع من مكة
-
باب التجارة أيام الموسم والبيع في أسواق الجاهلية
-
باب الإدلاج من المحصب
-
باب وجوب الحج وفضله
-
أبواب العمرة
-
أبواب المحصر
-
باب جزاء الصيد
-
باب فضائل المدينة
-
كتاب الصوم
-
كتاب صلاة التراويح
-
كتاب الاعتكاف
-
كتاب البيوع
-
كتاب السلم
-
كتاب الشفعة
-
كتاب الإجارة
-
كتاب الحوالة
-
كتاب الكفالة
-
كتاب الوكالة
-
كتاب المزارعة
-
كتاب المساقاة
-
كتاب الاستقراض
-
كتاب الخصومات
-
كتاب في اللقطة
-
كتاب المظالم
-
كتاب الشركة
-
كتاب الرهن
-
كتاب العتق
-
كتاب المكاتب
-
كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها
-
كتاب الشهادات
-
كتاب الصلح
-
كتاب الشروط
-
كتاب الوصايا
-
كتاب الجهاد والسير
-
كتاب الخمس
-
كتاب الجزية والموادعة
-
كتاب بدء الخلق
-
كتاب أحاديث الأنبياء
-
كتاب المناقب
-
كتاب فضائل الصحابة
-
كتاب مناقب الأنصار
-
كتاب المغازي
-
كتاب التفسير
-
كتاب فضائل القرآن
-
كتاب النكاح
-
كتاب الطلاق
-
كتاب العدة
-
كتاب النفقات
-
كتاب الأطعمة
-
كتاب العقيقة
-
كتاب الذبائح والصيد
-
كتاب الأضاحي
-
كتاب الأشربة
-
كتاب المرضى
-
كتاب الطب
-
كتاب اللباس
-
كتاب الأدب
-
كتاب الاستئذان
-
كتاب الدعوات
-
كتاب الرقاق
-
كتاب القدر
-
كتاب الأيمان والنذور
-
كتاب كفارات الأيمان
-
كتاب الفرائض
-
كتاب الحدود
-
كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة
-
كتاب الديات
-
كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم
-
كتاب الإكراه
-
كتاب الحيل
-
كتاب التعبير
-
كتاب الفتن
-
كتاب الأحكام
-
كتاب التمني
-
كتاب أخبار الآحاد
-
كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة
-
كتاب التوحيد
░42▒ (ص) بَابُ فَضْلِ مَكَّةَ وَبُنْيَانِهَا.
(ش) أَي: هَذَا بَابٌ فِي بَيَانِ فضل مكَّة _شرَّفها اللهُ_ وفي بنيانها.
فَإِنْ قُلْتَ: ليس فِي أَحَادِيثِ الباب ذكرٌ لبيان بنيان مكَّة، فَلِمَ لم يقتصر على قوله: (باب فضل مكَّة) ؟
قُلْت: لمَّا كان بنيان الكعبة سببًا لبنيان مكَّة وعمارتها؛ اكتفى به.
ولكنَّهم اختلفوا في أَوَّل من بنى الكعبة؛ فقيل: أَوَّل من بناها آدم ◙ ، ذكره ابن إِسْحَاقَ، وقيل: أَوَّل من بناها شِيثٌ ◙ ، وكانت قبل أن يبنيَها خيمةً من ياقوتةٍ / حمراء، يطوف بها آدم ◙ ويأنس بها؛ لأنَّها أنزلت إليه من الجنَّة، وقيل: أَوَّل من بناها الملائكة، وذلك لمَّا قالوا: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا}... الآية[البقرة:30] خافوا وطافوا بالعرش سبعًا يسترضون اللهَ ويتضرَّعون إليه، فأمرهم الله أن يبنوا البيت المعمور في السماء السَّابِعة، وأن يجعلوا طوافهم له؛ لكونه أهونَ من طواف العرش، ثُمَّ أمرهم أن يبنوا في كلِّ سماءٍ بيتًا، وفي كلِّ أرضٍ بيتًا، قال مجاهد: هي أَرْبَعَة عشر بيتًا، وروي: أنَّ الملائكة حين أسَّست الكعبة؛ انشقَّت الأرض إلى منتهاها، وقذفت فيها حجارة أمثال الإبل، فتلك القواعد من البيت الَّتِي وضع عليها إِبْرَاهِيم وإِسْمَاعِيل _ ♂ _ البيت، فلمَّا جاء الطوفان رُفِعَت، وأُودِع الحجرُ الأَسْوَد أبا قُبَيس، وروى عَبْد الرَّزَّاقِ عن ابن جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاء، وسَعِيد بن المُسَيَِّبِ: أنَّ آدم بناه من خمسة أجبُل: من حِراء، وطور سيناء، وطور زَيْتا، وجبل لُبنان، والجوديِّ، وهذا غريبٌ، وروى البَيْهَقيُّ في بناء الكعبة في «دلائل النبوَّة» مِنْ طَرِيقِ ابن لَهِيعَةَ عن يزيد بن أَبِي حبيب، عن أبي الخير، عن عَبْد اللهِ بن عَمْرو بن العاص مَرْفُوعًا: «بعث اللَّه جبريل إلى آدم وحوَّاء ♂ ، فأمرهما ببناء الكعبة، فبناه آدم، ثُمَّ أُمِرَ بالطَّوَاف به، وقيل له: أنت أَوَّل النَّاس، وهذا أَوَّل بيت وضع للناس»، قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: إنَّهُ كما ترى من مفردات ابن لَهِيعَةَ، وهو ضعيف، والأشبهُ أن يكون هذا مَوْقُوفًا على عَبْد اللهِ بن عَمْرو، ويكون من الزاملتين التي أصابهما يوم اليرموك من كلام أهل الكتاب.
(ص) وقَوْلِهِ تَعَالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ. وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ. وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}[البقرة:125-128].
(ش) (وَقَوْلِهِ) بالجرِّ عطفًا على قوله: (فَضْلِ مَكَّةَ) والتقدير: وفي بيان تَفْسِير قوله تعالى: ({وَإِذْ جَعَلْنَا})... إلى آخره، وهذه أَرْبَعَة آيات سيق كلُّها فِي رِوَايَة كريمة، وفِي رِوَايَة الباقين بعض الآية الأولى، وفِي رِوَايَة أَبِي ذَرٍّ كلُّ الآية الأولى، ثُمَّ قالوا: <إلى قوله: {التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}>.
قوله تعالى: ({وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ}) أي: واذكر إذ جعلنا البيت، و{البيت}: اسم غالب للكعبة كـ(النجم) للثريا.
قوله: ({مَثَابَةً}) أي: مَباءةً ومَرجعًا للحاجِّ والعُمَّار، ينصرفون عنه ثُمَّ يثوبون إليه، قال الزجَّاج: أصل {مثابة}: مَثْوَبَة، نُقِلَت حركةُ الواو إلى الثاء، وقُلِبَت الواوُ ألفًا لتحرُّكها في الأصل وانفتاح ما قبلها، وقال الزَّمَخْشَريُّ: وقُرِئ: {مَثَابَاتٍ}، وقَالَ ابْنُ جَرِير: قال بعضُ نُحاة البصرة: أُلحقَت الهاء في (المثابة) لمَّا كثُر مَن يثوبُ إليه؛ كما يقال: سيَّارة ونسَّابة، وَقالَ بَعْضُ نُحاة الكوفة: بل (المَثاب) و(المَثابة) بمعنًى واحد؛ نظير (المقام) و(المقامة)، فـ(المقام) ذُكِّر على قوله لأنَّه أُريد به الموضعُ الَّذِي يُقامُ فيه، وأُنِّثت (المقامة) لأنَّه أريد بها البقعة، وأنكر هؤلاء أن تكون (المثابة) لـ(السيَّارة) و(النسَّابة) نظيرةً، وقالوا: إِنَّما أُدخلَت الهاء في (السيَّارة) و(النسَّابة) تشبيهًا لها بـ(الداهية)، و(المثابة) (مفعلة) من ثاب القوم إلى الموضع إذا رجعوا إليه، فهم يثوبون إليه مَثابًا ومَثابةً وثَوابًا؛ يعني: جعلنا البيت مَرجعًا للناس ومَعادًا يأتونه كلَّ عام ويرجعون إليه، فلا يقضون منه وطرًا، ومنه: ثاب إليه عقله؛ إذا رجع إليه بعد عزوبه عنه.
فَإِنْ قُلْتَ: (البيت) مذكَّر، و(مثابة) مؤنَّثة، والتطابقُ بين الصفة والموصوف شرطٌ.
قُلْت: ليست التَّاء فيه للتأنيث، بل هو كما يقال: درهمٌ ضَرْبُ الأمير، والمصدرُ قد يُوصَف به، يقال: رجل عدلٌ رضًا؛ أي: مُعدَّل مرضيٌّ، وقيل: الهاء فيه للمبالغة؛ لكثرة من يثوب إليه؛ مثل: علَّامة، وقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِم: حَدَّثَنَا أبي: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بن رجاء: أَخْبَرَنَا إسرائيل عَنْ مُسْلِم، عن مجاهد، عَنِ ابْنِ عَبَّاس في قوله: {مَثَابَةً}[البقرة:125]، / قال: يثوبون إليه ثُمَّ يرجعون، قال: وروي عن أَبِي الْعَالِيَةِ وسَعِيد بن جبير _فِي رِوَايَة_ [وعَطَاء والحسن وعطيَّة والربيع بن أَنَس والضَّحَّاك نحو ذلك، وقال سَعِيد بن جبير _فِي رِوَايَة] أخرى_ وعِكْرِمَة وقَتَادَة وعَطَاء الْخُرَاسَانِيُّ: {مَثَابَةً لِّلنَّاسِ}: أي: مجمعًا.
قوله: ({وَأَمْنًا}) أي: وموضع أمن، كقوله: {حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ}[العنكبوت:67]، ولأنَّ الجاني يأوي إليه، فلا يُتعرَّض له حَتَّى يخرج، وقال الضَّحَّاك عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أي: أمنًا للناس، وقال الربيع بن أَنَس عن أَبِي الْعَالِيَةِ: يعني: أمنًا مِنَ العدوِّ، وأن يُحْمَل فيه السلاح.
قوله: ({وَاتَّخِذُوا}) قال الزَّمَخْشَريُّ: {واتَّخذوا} على إرادة القول؛ أي: وقلنا: اتَّخذوا منه موضع صلاة تصلُّون فيه، وهي على وجه الاختيار والاستحباب دون الوجوب، وقرأ نافع وابن عامر: {وَاتَّخَذُوا} عَلَى صِيغَةِ الماضي، وقرأ الباقون عَلَى صِيغَةِ الأمر.
واختلف المفسِّرون في الْمُرَاد بـ(المقام) ما هو؟ فقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِم: حَدَّثَنَا عُمَر بن شَبَّة النُّمَيريُّ: حَدَّثَنَا أَبُو خلف _يعني: عَبْد اللهِ بن عِيسَى_: حَدَّثَنَا داود بن أَبِي هند عن مجاهد، عَنِ ابْنِ عَبَّاس قال: {وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} قال: {مقام إِبْرَاهِيم}: الحرم كلُّه، وعَنِ ابْنِ عَبَّاس: {مقام إِبْرَاهِيم}: الحجُّ كلُّه، ثُمَّ فسَّره عَطَاء فقال: التعريف، وصلاتان بعرفة، والمشعر، ومنى، ورمي الجمار، والطَّوَاف بين الصَّفَا وَالْمَرْوَة، وقال سُفْيَان الثوريُّ عن عَبْد اللهِ بن مُسْلِم، عَنْ سَعِيد بن جبير قال: الحجر: [مقام إِبْرَاهِيم، فكان يقومُ عليه، ويناولُه إِسْمَاعِيلُ الحجارةَ، وقال السُّدِّيُّ: المقام: الحجر] الَّذِي وضعته زوجة إِسْمَاعِيل ◙ تحت قدم إِبْرَاهِيم ◙ حَتَّى غسلت رأسه، حكاه القرطبيُّ وضعَّفه، وحكاه الرازيُّ في «تَفْسِيره» عن الْحَسَن البصريِّ وقَتَادَة والربيع بن أَنَس، وقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِم: حَدَّثَنَا الْحَسَن بن مُحَمَّد بن الصَّبَّاح: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّاب بن عَطَاء عن ابن جُرَيْجٍ، عن جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَنْ أَبِيهِ: سمع جابرًا يحدِّث عن رَسُول اللهِ صلعم قال: لمَّا طاف النَّبِيُّ صلعم قال له عمر ☺ : هذا مقام أبينا إِبْرَاهِيم؟ [قال: نعم، قال: أفلا نتَّخذه مُصَلًّى؟ فَأَنْزَلَ اللهُ ╡ : {وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ] مُصَلًّى}، وقد كان المقام ملصقًا بجدار الكعبة قديمًا، ومكانه مَعْرُوف اليوم إلى جانب الباب مِمَّا يلي الحِجر، وإِنَّما أخَّره عن جدار الكعبة أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ بن الخَطَّاب ☺ ، وقال عَبْد الرَّزَّاقِ: عن معمر عن حميد الأعرج، عن مجاهد قال: أَوَّل من أخَّر المقام إلى موضعه الآن عمرُ بن الخَطَّاب.
قوله: ({وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ}) قال أبو اللَّيْث في «تَفْسِيره»: أي: أمرنا إِبْرَاهِيم وإِسْمَاعِيل ({أَنْ طَهِّرَا}) أي: بأن طهِّرا؛ أي: بالتطهير مِنَ الأوثان، ويقال: من جميع النجاسات.
({لِلطَّائِفِينَ}) أي: لأجل الطائفين الذين يطوفون بالبيت؛ وهم الغرباء، ({وَالعَاكِفِينَ}) وهم أهل الحرم المقيمون بِمَكَّةَ من أَهْل مَكَّةَ وغيرهم.
قوله: ({وَالرُّكَّعِ} أهل الصلاة، وهو جمع (راكع)، وقوله: ({السُّجُودِ}) مصدر، وفيه حذف؛ أي: الرُّكَّع ذوي السجود.
قوله: ({وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ}) أي: واذكر إذ قال إِبْرَاهِيم: ({رَبِّ اجْعَلْ هَذَا}) أي: الحرم، ({بَلَدًا آمِنًا}) وقال الزَّمَخْشَريُّ: أي: اجعل بلدًا ذا أمن؛ كقوله: {عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ}[الحاقة:31]، أو: آمِنًا مَن فيه، كقولك: ليلٌ نائمٌ، وفي «خلاصة البيان»: والبلد: ينطلق على كلِّ موضع من الأرض عامر مسكون أو خالٍ، و(البلد) في هذه الآية: مكَّة، وقد صارت مكَّة حرامًا بسؤال إِبْرَاهِيم، وقبله كانت حلالًا.
قُلْت: فيه قولان؛ أحدهما هذا، والآخر: أنَّها كانت حرامًا قبل ذلك؛ بدليل قوله صلعم : «إنَّ هذا البلد حرام يوم خلق السماوات والأرض».
قوله: ({وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ}) يعني: أنواع الثمرات، فاستجاب اللهُ دعاءه في المسألتين، قال المفسِّرون: إنَّ اللهَ تَعَالَى بعث جبريلَ ◙ حتَّى اقتلع الطائف من موضع الأُردُنِّ، ثُمَّ طاف بها حول الكعبة، فسُمِّيت الطائف.
قوله: ({مَنْ آمَنَ مِنْهُم}) بدل من {أهله}، قال أبو اللَّيْث: وإِنَّما اشترط هذا الشرط لأنَّه قد سأل الإمامة لذرِّيَّته، فلم يُستَجَب له في الظالمين، فخشيَ إِبْرَاهِيم أن يكون أمر الرزق / هكذا، فسأل الرزق للمؤمنين خاصَّة، فأخبر الله تَعَالَى أنَّهُ يرزق الكافرَ والمؤمنَ، وأنَّ أمر الرزق ليس كأمر الإمامة، قالوا: لأنَّ الإمامة فضلٌ والرزقَ عدلٌ، فالله تَعَالَى يؤتي فضلَه مَن يشاء لمن كان أهلًا لذلك، وعدلَه لجميع الناس؛ لأنَّهم عباده وإن كانوا كفَّارًا.
قوله: ({وَمَن كَفَرَ}) قال الزَّمَخْشَريُّ: وأرزق من كفر فأمتِّعه، ويجوز أن يكون {مَن كَفَرَ} مبتدأ متضمِّنًا معنى الشرط، وقوله: ({فَأُمَتِّعُهُ}) جواب الشرط؛ أي: ومن كفر فأنا أُمتِّعه، وقُرِئ: {فأُمْتِعُه فاضطرُّه}: فَألُزُّه إلى عذاب النار لَزَّ المضطرِّ الَّذِي لا يملك الامتناع مِمَّا اضطُرَّ إليه، وقرأ أبيٌّ: {فنُمَتِّعه قليلًا ثُمَّ نضطرُّه}، وقرأ يَحْيَى بن وثَّاب: {فَإضْطَرُّهُ} بكسر الْهَمْزَة، وقرأ ابن عَبَّاس: {فأمْتِعْهُ قَلِيلًا ثُمَّ اضْطَرَّهُ} على لفظ الأمر.
قوله: ({وَإِذْ يَرْفَعُ}) أي واذكر إذ يرفع ({إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ}) وهي جمع (قاعدة)، وهي السارية والأساس.
قوله: ({مِنَ الْبَيْتِ}) أي: الكعبة، وقال مقاتل: في الآية تقديمٌ وتأخيرٌ؛ معناه: وإذ يرفع إِبْرَاهِيم وإِسْمَاعِيل القواعد من البيت، ويقال: إنَّ إِبْرَاهِيم كان يبني، وإِسْمَاعِيل يُعينُه، والملائكة يناقلون الحجر من إِسْمَاعِيل، وكانوا ينقلون الحجر من خمسة أَجْبُل: طور سينا، وطور زَيْتا، وجوديٍّ، ولبنان، وحِراء.
قوله: ({رَبَّنَا}) أي: قالا: ({رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا}) أعمالَنا ({إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ}) لدعائنا ({العَلِيمُ}) بِنِيَّاتِنا، وقال جبريل ◙ لإِبْرَاهِيم ◙ : قد أُجِيب لك، فاسأل شَيْئًا آخر، قالا: ({رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ}) يعني: مخلصَين لك، ويقال: واجعلنا مُثْبَتَين على الإِسْلَام، ويقال: مطيعين لك، ثُمَّ قال: ({وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ}) يعني: اجعل بعض ذرِّيَّتنا مَن يخلص لك ويثبت على الإِسْلَام، ثُمَّ قال: ({وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا}) يعني: علِّمنا أمورَ مناسكنا، ذكر الرؤية وأراد بها العلم، ثُمَّ قال: ({وَتُبْ عَلَيْنَا}) يعني: تجاوز عنَّا الزَّلَّة ({إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ}) المتجاوز ({الرَّحِيم}) بعبادك.