عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب فضل مكة وبنيانها
  
              

          ░42▒ (ص) بَابُ فَضْلِ مَكَّةَ وَبُنْيَانِهَا.
          (ش) أَي: هَذَا بَابٌ فِي بَيَانِ فضل مكَّة _شرَّفها اللهُ_ وفي بنيانها.
          فَإِنْ قُلْتَ: ليس فِي أَحَادِيثِ الباب ذكرٌ لبيان بنيان مكَّة، فَلِمَ لم يقتصر على قوله: (باب فضل مكَّة) ؟
          قُلْت: لمَّا كان بنيان الكعبة سببًا لبنيان مكَّة وعمارتها؛ اكتفى به.
          ولكنَّهم اختلفوا في أَوَّل من بنى الكعبة؛ فقيل: أَوَّل من بناها آدم ◙ ، ذكره ابن إِسْحَاقَ، وقيل: أَوَّل من بناها شِيثٌ ◙ ، وكانت قبل أن يبنيَها خيمةً من ياقوتةٍ / حمراء، يطوف بها آدم ◙ ويأنس بها؛ لأنَّها أنزلت إليه من الجنَّة، وقيل: أَوَّل من بناها الملائكة، وذلك لمَّا قالوا: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا}... الآية[البقرة:30] خافوا وطافوا بالعرش سبعًا يسترضون اللهَ ويتضرَّعون إليه، فأمرهم الله أن يبنوا البيت المعمور في السماء السَّابِعة، وأن يجعلوا طوافهم له؛ لكونه أهونَ من طواف العرش، ثُمَّ أمرهم أن يبنوا في كلِّ سماءٍ بيتًا، وفي كلِّ أرضٍ بيتًا، قال مجاهد: هي أَرْبَعَة عشر بيتًا، وروي: أنَّ الملائكة حين أسَّست الكعبة؛ انشقَّت الأرض إلى منتهاها، وقذفت فيها حجارة أمثال الإبل، فتلك القواعد من البيت الَّتِي وضع عليها إِبْرَاهِيم وإِسْمَاعِيل _ ♂ _ البيت، فلمَّا جاء الطوفان رُفِعَت، وأُودِع الحجرُ الأَسْوَد أبا قُبَيس، وروى عَبْد الرَّزَّاقِ عن ابن جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاء، وسَعِيد بن المُسَيَِّبِ: أنَّ آدم بناه من خمسة أجبُل: من حِراء، وطور سيناء، وطور زَيْتا، وجبل لُبنان، والجوديِّ، وهذا غريبٌ، وروى البَيْهَقيُّ في بناء الكعبة في «دلائل النبوَّة» مِنْ طَرِيقِ ابن لَهِيعَةَ عن يزيد بن أَبِي حبيب، عن أبي الخير، عن عَبْد اللهِ بن عَمْرو بن العاص مَرْفُوعًا: «بعث اللَّه جبريل إلى آدم وحوَّاء ♂ ، فأمرهما ببناء الكعبة، فبناه آدم، ثُمَّ أُمِرَ بالطَّوَاف به، وقيل له: أنت أَوَّل النَّاس، وهذا أَوَّل بيت وضع للناس»، قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: إنَّهُ كما ترى من مفردات ابن لَهِيعَةَ، وهو ضعيف، والأشبهُ أن يكون هذا مَوْقُوفًا على عَبْد اللهِ بن عَمْرو، ويكون من الزاملتين التي أصابهما يوم اليرموك من كلام أهل الكتاب.
          (ص) وقَوْلِهِ تَعَالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ. وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ. وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}[البقرة:125-128].
          (ش) (وَقَوْلِهِ) بالجرِّ عطفًا على قوله: (فَضْلِ مَكَّةَ) والتقدير: وفي بيان تَفْسِير قوله تعالى: ({وَإِذْ جَعَلْنَا})... إلى آخره، وهذه أَرْبَعَة آيات سيق كلُّها فِي رِوَايَة كريمة، وفِي رِوَايَة الباقين بعض الآية الأولى، وفِي رِوَايَة أَبِي ذَرٍّ كلُّ الآية الأولى، ثُمَّ قالوا: <إلى قوله: {التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}>.
          قوله تعالى: ({وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ}) أي: واذكر إذ جعلنا البيت، و{البيت}: اسم غالب للكعبة كـ(النجم) للثريا.
          قوله: ({مَثَابَةً}) أي: مَباءةً ومَرجعًا للحاجِّ والعُمَّار، ينصرفون عنه ثُمَّ يثوبون إليه، قال الزجَّاج: أصل {مثابة}: مَثْوَبَة، نُقِلَت حركةُ الواو إلى الثاء، وقُلِبَت الواوُ ألفًا لتحرُّكها في الأصل وانفتاح ما قبلها، وقال الزَّمَخْشَريُّ: وقُرِئ: {مَثَابَاتٍ}، وقَالَ ابْنُ جَرِير: قال بعضُ نُحاة البصرة: أُلحقَت الهاء في (المثابة) لمَّا كثُر مَن يثوبُ إليه؛ كما يقال: سيَّارة ونسَّابة، وَقالَ بَعْضُ نُحاة الكوفة: بل (المَثاب) و(المَثابة) بمعنًى واحد؛ نظير (المقام) و(المقامة)، فـ(المقام) ذُكِّر على قوله لأنَّه أُريد به الموضعُ الَّذِي يُقامُ فيه، وأُنِّثت (المقامة) لأنَّه أريد بها البقعة، وأنكر هؤلاء أن تكون (المثابة) لـ(السيَّارة) و(النسَّابة) نظيرةً، وقالوا: إِنَّما أُدخلَت الهاء في (السيَّارة) و(النسَّابة) تشبيهًا لها بـ(الداهية)، و(المثابة) (مفعلة) من ثاب القوم إلى الموضع إذا رجعوا إليه، فهم يثوبون إليه مَثابًا ومَثابةً وثَوابًا؛ يعني: جعلنا البيت مَرجعًا للناس ومَعادًا يأتونه كلَّ عام ويرجعون إليه، فلا يقضون منه وطرًا، ومنه: ثاب إليه عقله؛ إذا رجع إليه بعد عزوبه عنه.
          فَإِنْ قُلْتَ: (البيت) مذكَّر، و(مثابة) مؤنَّثة، والتطابقُ بين الصفة والموصوف شرطٌ.
          قُلْت: ليست التَّاء فيه للتأنيث، بل هو كما يقال: درهمٌ ضَرْبُ الأمير، والمصدرُ قد يُوصَف به، يقال: رجل عدلٌ رضًا؛ أي: مُعدَّل مرضيٌّ، وقيل: الهاء فيه للمبالغة؛ لكثرة من يثوب إليه؛ مثل: علَّامة، وقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِم: حَدَّثَنَا أبي: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بن رجاء: أَخْبَرَنَا إسرائيل عَنْ مُسْلِم، عن مجاهد، عَنِ ابْنِ عَبَّاس في قوله: {مَثَابَةً}[البقرة:125 / قال: يثوبون إليه ثُمَّ يرجعون، قال: وروي عن أَبِي الْعَالِيَةِ وسَعِيد بن جبير _فِي رِوَايَة_ [وعَطَاء والحسن وعطيَّة والربيع بن أَنَس والضَّحَّاك نحو ذلك، وقال سَعِيد بن جبير _فِي رِوَايَة] أخرى_ وعِكْرِمَة وقَتَادَة وعَطَاء الْخُرَاسَانِيُّ: {مَثَابَةً لِّلنَّاسِ}: أي: مجمعًا.
          قوله: ({وَأَمْنًا}) أي: وموضع أمن، كقوله: {حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ}[العنكبوت:67]، ولأنَّ الجاني يأوي إليه، فلا يُتعرَّض له حَتَّى يخرج، وقال الضَّحَّاك عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أي: أمنًا للناس، وقال الربيع بن أَنَس عن أَبِي الْعَالِيَةِ: يعني: أمنًا مِنَ العدوِّ، وأن يُحْمَل فيه السلاح.
          قوله: ({وَاتَّخِذُوا}) قال الزَّمَخْشَريُّ: {واتَّخذوا} على إرادة القول؛ أي: وقلنا: اتَّخذوا منه موضع صلاة تصلُّون فيه، وهي على وجه الاختيار والاستحباب دون الوجوب، وقرأ نافع وابن عامر: {وَاتَّخَذُوا} عَلَى صِيغَةِ الماضي، وقرأ الباقون عَلَى صِيغَةِ الأمر.
          واختلف المفسِّرون في الْمُرَاد بـ(المقام) ما هو؟ فقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِم: حَدَّثَنَا عُمَر بن شَبَّة النُّمَيريُّ: حَدَّثَنَا أَبُو خلف _يعني: عَبْد اللهِ بن عِيسَى_: حَدَّثَنَا داود بن أَبِي هند عن مجاهد، عَنِ ابْنِ عَبَّاس قال: {وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} قال: {مقام إِبْرَاهِيم}: الحرم كلُّه، وعَنِ ابْنِ عَبَّاس: {مقام إِبْرَاهِيم}: الحجُّ كلُّه، ثُمَّ فسَّره عَطَاء فقال: التعريف، وصلاتان بعرفة، والمشعر، ومنى، ورمي الجمار، والطَّوَاف بين الصَّفَا وَالْمَرْوَة، وقال سُفْيَان الثوريُّ عن عَبْد اللهِ بن مُسْلِم، عَنْ سَعِيد بن جبير قال: الحجر: [مقام إِبْرَاهِيم، فكان يقومُ عليه، ويناولُه إِسْمَاعِيلُ الحجارةَ، وقال السُّدِّيُّ: المقام: الحجر] الَّذِي وضعته زوجة إِسْمَاعِيل ◙ تحت قدم إِبْرَاهِيم ◙ حَتَّى غسلت رأسه، حكاه القرطبيُّ وضعَّفه، وحكاه الرازيُّ في «تَفْسِيره» عن الْحَسَن البصريِّ وقَتَادَة والربيع بن أَنَس، وقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِم: حَدَّثَنَا الْحَسَن بن مُحَمَّد بن الصَّبَّاح: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّاب بن عَطَاء عن ابن جُرَيْجٍ، عن جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَنْ أَبِيهِ: سمع جابرًا يحدِّث عن رَسُول اللهِ صلعم قال: لمَّا طاف النَّبِيُّ صلعم قال له عمر ☺ : هذا مقام أبينا إِبْرَاهِيم؟ [قال: نعم، قال: أفلا نتَّخذه مُصَلًّى؟ فَأَنْزَلَ اللهُ ╡ : {وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ] مُصَلًّى}، وقد كان المقام ملصقًا بجدار الكعبة قديمًا، ومكانه مَعْرُوف اليوم إلى جانب الباب مِمَّا يلي الحِجر، وإِنَّما أخَّره عن جدار الكعبة أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ بن الخَطَّاب ☺ ، وقال عَبْد الرَّزَّاقِ: عن معمر عن حميد الأعرج، عن مجاهد قال: أَوَّل من أخَّر المقام إلى موضعه الآن عمرُ بن الخَطَّاب.
          قوله: ({وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ}) قال أبو اللَّيْث في «تَفْسِيره»: أي: أمرنا إِبْرَاهِيم وإِسْمَاعِيل ({أَنْ طَهِّرَا}) أي: بأن طهِّرا؛ أي: بالتطهير مِنَ الأوثان، ويقال: من جميع النجاسات.
          ({لِلطَّائِفِينَ}) أي: لأجل الطائفين الذين يطوفون بالبيت؛ وهم الغرباء، ({وَالعَاكِفِينَ}) وهم أهل الحرم المقيمون بِمَكَّةَ من أَهْل مَكَّةَ وغيرهم.
          قوله: ({وَالرُّكَّعِ} أهل الصلاة، وهو جمع (راكع)، وقوله: ({السُّجُودِ}) مصدر، وفيه حذف؛ أي: الرُّكَّع ذوي السجود.
          قوله: ({وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ}) أي: واذكر إذ قال إِبْرَاهِيم: ({رَبِّ اجْعَلْ هَذَا}) أي: الحرم، ({بَلَدًا آمِنًا}) وقال الزَّمَخْشَريُّ: أي: اجعل بلدًا ذا أمن؛ كقوله: {عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ}[الحاقة:31]، أو: آمِنًا مَن فيه، كقولك: ليلٌ نائمٌ، وفي «خلاصة البيان»: والبلد: ينطلق على كلِّ موضع من الأرض عامر مسكون أو خالٍ، و(البلد) في هذه الآية: مكَّة، وقد صارت مكَّة حرامًا بسؤال إِبْرَاهِيم، وقبله كانت حلالًا.
          قُلْت: فيه قولان؛ أحدهما هذا، والآخر: أنَّها كانت حرامًا قبل ذلك؛ بدليل قوله صلعم : «إنَّ هذا البلد حرام يوم خلق السماوات والأرض».
          قوله: ({وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ}) يعني: أنواع الثمرات، فاستجاب اللهُ دعاءه في المسألتين، قال المفسِّرون: إنَّ اللهَ تَعَالَى بعث جبريلَ ◙ حتَّى اقتلع الطائف من موضع الأُردُنِّ، ثُمَّ طاف بها حول الكعبة، فسُمِّيت الطائف.
          قوله: ({مَنْ آمَنَ مِنْهُم}) بدل من {أهله}، قال أبو اللَّيْث: وإِنَّما اشترط هذا الشرط لأنَّه قد سأل الإمامة لذرِّيَّته، فلم يُستَجَب له في الظالمين، فخشيَ إِبْرَاهِيم أن يكون أمر الرزق / هكذا، فسأل الرزق للمؤمنين خاصَّة، فأخبر الله تَعَالَى أنَّهُ يرزق الكافرَ والمؤمنَ، وأنَّ أمر الرزق ليس كأمر الإمامة، قالوا: لأنَّ الإمامة فضلٌ والرزقَ عدلٌ، فالله تَعَالَى يؤتي فضلَه مَن يشاء لمن كان أهلًا لذلك، وعدلَه لجميع الناس؛ لأنَّهم عباده وإن كانوا كفَّارًا.
          قوله: ({وَمَن كَفَرَ}) قال الزَّمَخْشَريُّ: وأرزق من كفر فأمتِّعه، ويجوز أن يكون {مَن كَفَرَ} مبتدأ متضمِّنًا معنى الشرط، وقوله: ({فَأُمَتِّعُهُ}) جواب الشرط؛ أي: ومن كفر فأنا أُمتِّعه، وقُرِئ: {فأُمْتِعُه فاضطرُّه}: فَألُزُّه إلى عذاب النار لَزَّ المضطرِّ الَّذِي لا يملك الامتناع مِمَّا اضطُرَّ إليه، وقرأ أبيٌّ: {فنُمَتِّعه قليلًا ثُمَّ نضطرُّه}، وقرأ يَحْيَى بن وثَّاب: {فَإضْطَرُّهُ} بكسر الْهَمْزَة، وقرأ ابن عَبَّاس: {فأمْتِعْهُ قَلِيلًا ثُمَّ اضْطَرَّهُ} على لفظ الأمر.
          قوله: ({وَإِذْ يَرْفَعُ}) أي واذكر إذ يرفع ({إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ}) وهي جمع (قاعدة)، وهي السارية والأساس.
          قوله: ({مِنَ الْبَيْتِ}) أي: الكعبة، وقال مقاتل: في الآية تقديمٌ وتأخيرٌ؛ معناه: وإذ يرفع إِبْرَاهِيم وإِسْمَاعِيل القواعد من البيت، ويقال: إنَّ إِبْرَاهِيم كان يبني، وإِسْمَاعِيل يُعينُه، والملائكة يناقلون الحجر من إِسْمَاعِيل، وكانوا ينقلون الحجر من خمسة أَجْبُل: طور سينا، وطور زَيْتا، وجوديٍّ، ولبنان، وحِراء.
          قوله: ({رَبَّنَا}) أي: قالا: ({رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا}) أعمالَنا ({إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ}) لدعائنا ({العَلِيمُ}) بِنِيَّاتِنا، وقال جبريل ◙ لإِبْرَاهِيم ◙ : قد أُجِيب لك، فاسأل شَيْئًا آخر، قالا: ({رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ}) يعني: مخلصَين لك، ويقال: واجعلنا مُثْبَتَين على الإِسْلَام، ويقال: مطيعين لك، ثُمَّ قال: ({وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ}) يعني: اجعل بعض ذرِّيَّتنا مَن يخلص لك ويثبت على الإِسْلَام، ثُمَّ قال: ({وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا}) يعني: علِّمنا أمورَ مناسكنا، ذكر الرؤية وأراد بها العلم، ثُمَّ قال: ({وَتُبْ عَلَيْنَا}) يعني: تجاوز عنَّا الزَّلَّة ({إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ}) المتجاوز ({الرَّحِيم}) بعبادك.