عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب من قدم ضعفة أهله بليل فيقفون بالمزدلفة ويدعون
  
              

          ░98▒ (ص) بابُ مَنْ قَدَّمَ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ بِلَيْلٍ، فَيَقِفُونَ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَيَدْعُونَ، وَيُقَدِّمُ إِذَا غَابَ الْقَمَرُ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيان شأنِ مَن قدَّم ضَعَفَةَ أهله، و(الضَّعَفَةُ) بفتح العين: جمعُ (ضعيفٍ)، وقال ابنُ حزم: الضَّعَفَةُ همُ الصِّبيان والنساءُ فقط.
          قُلْت: يدخل فيه المشايخُ العاجزون؛ لأنَّه رويَ عنِ ابن عَبَّاسٍ: أنَّ رسولَ الله صلعم قدَّم ضَعَفَةَ بني هاشم وصبيانِهم بليلٍ، رواه ابنُ حِبَّان في «الثقات».
          وقوله: (ضَعَفَةِ بني هاشِمٍ) أعمُّ مِن النِّساءِ والصِّبيانِ والمشايخ العاجزين وأصحاب الأمراض؛ لأنَّ العلَّة خوفُ الزحام عليهم، وعن ابنِ عَبَّاس: (أرسلني رسولُ الله صلعم في ضعَفَةِ أهلِه، فصلَّينا الصبحَ بمنًى ورمينا الجمرة)، رواه النَّسائيُّ، وقال المحبُّ الطَّبَريُّ: لم يكنِ ابنُ عَبَّاس مِنَ الضَّعَفة، وما رواه النَّسائيُّ يردُّ عليه.
          قوله: (بِلَيْلٍ) أي: في ليلٍ، والباء تتعلَّق بقوله: (قَدَّمَ)، وتقديمُهم مِن منزلهم الذي نزلوا به بجَمْعٍ.
          قوله: (وَيَدْعُونَ بِالمُزْدَلِفَةِ) يعني: يذكرونَ اللهَ ما بدا لهم.
          قوله: (وَيُقَدِّمُ إِذَا غَابَ الْقَمَرُ) بيانٌ لقوله: (بليلٍ) ؛ [لأنَّ قولَه: (بليلٍ) أعمُّ مِن أن يكون في أَوَّل اللَّيل، أو في وسطه، أو في آخرِه، وبيَّنه بقوله: (إذا غَابَ) ]؛ لأنَّ مَغيبَ القمر تلك اللَّيلةَ يقع عند أوائل الثلث الأخير، ومِن ثَمَّ قيدَّه الشَّافِعِيُّ وأصحابٌه بالنِّصف الثاني، وروى البَيْهَقيُّ مِن حديث ابن عَبَّاس: (أنَّ النَّبِيَّ صلعم كان يأمر نساءَه وثَقَلَه في صبيحةِ جَمْعٍ أن يفيضوا مع أَوَّل الفجرِ بسوادٍ، وألَّا يرموا الجمرةَ إلَّا مُصبحِين)، وروى أبو داود عن ابن عَبَّاس قال: (كان رسول الله صلعم يُقدِّم ضعَفَة أهلِه بغَلَسَ ويأمرهم) ؛ يعني: لا يرمون الجمرةَ حَتَّى تطلع الشمسُ.
          وقالَ الكَرْمَانِيُّ: و(يُقدَِّمُ) بلفظِ المفعول والفاعلِ.
          قُلْت: أراد بلفظ البناءِ للمجهول والبناء للمعلوم؛ ففي الأَوَّل يرجِعُ الضمير إلى (الضَّعَفَة)، فيكون مفعولًا، وفي الثاني يرجِع إلى لفظ (مَن) فيكون فاعلًا؛ فافهم.