عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب التعجيل إلى الموقف
  
              

          ░90م▒ (ص) بابُ التَّعْجِيلِ إِلَى الْمَوْقِفِ.
          (ش) هكذا وَقَعَ هَذَا الْبَابُ بهذه التَّرْجَمَة عندَ الأَكْثَرِينَ بغير حديثٍ فيه، وسقط مِنْ رِوَايَة أَبِي ذَرٍّ أصلًا، وقَالَ الكَرْمَانِيُّ: (واعلم أنَّهُ وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخ هنا زيادةٌ؛ وهوَ <بَابُ التَّعْجِيلِ إِلَى الْمَوْقِفِ، وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: يُزَادُ فِي هَذَا الْبَابِ هَمْ هَذَا الْحَدِيثُ؛ حَدِيثُ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَلَكِنِّي لَا أُرِيدُ أَنْ أُدْخِلَ فِيهِ مُعَادًا > أقول: هذا تصريحٌ مِن البُخَاريِّ بأنَّه لم يُعِدْ حديثًا في هذا «الجامع» ولم يُكرِّر شَيْئًا منه، وما اشتهر أنَّ نصفَه تقريبًا مُكرَّر؛ فهو قولٌ إقناعيٌّ على سبيل المسامحة، وأَمَّا عند التحقيق فهو لا يخلو إمَّا مِن تقييدٍ أو إهمالٍ، أو زيادةٍ أو نقصان، أو تفاوت في الإسنادِ ونحوه، وكلمة «هَمْ» بفتح الهاء وسكون الميم، قيل: إِنَّها فارسيَّة، وقيل: عربيَّة، ومعناها قريبٌ مِن معنى لفظ «أَيْضًا») انتهى.
          قُلْت: أراد بقوله: (وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ) البُخَاريَّ نفسَه؛ لأنَّ كنيتَه أبو عَبْد اللهِ.
          قوله: (هَذَا الْحَدِيثُ) أرادَ به حَدِيثَ مَالِكٍ الَّذِي رَوَاهُ عن مُحَمَّد بْن مُسْلِم ابْن شِهَاب الزُّهْريِّ، وهو الَّذِي رَوَاهُ البُخَاريُّ مِن طريقين؛ أحدهما: طريق عَبْد اللهِ بْن يُوسُفَ، والآخر: طريق عَبْد اللهِ بْن مَسْلَمَةَ؛ كلاهما عَنْ مَالِكٍ.
          وقوله: (مُعَادًا) أي: مُكرَّرًا، وحاصلُ هذا الكلامِ أنَّهُ قالَ: زيادةُ الحديثِ المذكورِ كانت مناسبةً أن يدخلَ في هَذَا الْبَاب _أعني: (بابَ التعجيل إلى الْمَوْقِف) _ ولكنِّي ما أدخلتُه فيه؛ لأنِّي لا أُدْخِل فيه مُكرَّرًا؛ لأنَّه لم يظفرْ بطريقٍ آخر فيه غيرَ الطَّريقَين المذكورَين؛ / فلذلك لم يدخله، وهذا يدلُّ على أنَّهُ لا يعيدُ حديثًا ولا يُكرِّره في هذا الكتاب إلَّا لفائدةٍ مِن جهة الإسناد، أو مِن جهة المتن، فإن وَقَعَ شيءٌ خارجٌ مِن ذلك؛ يكون اتِّفاقيًّا، لا قصدًا، ومع ذلك فهو نادرٌ قليلُ الوقوعِ.
          وأَمَّا قول الكَرْمَانِيِّ: (وكلمة «هَمْ»...) إلى آخره؛ فَهُوَ تَصَرُّفٌ مِنْ عِنْدِهِ، تَصَرَّفَ فِيهَا حِينَ وَقَفَ عَلَى النُّسَخةِ الَّتِي قَالَ: (وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخ)، ونقلَ عنها أنَّهُ قال: (هَمْ هَذَا الْحَدِيث) والظاهر: أنَّهُ وَقَعَ منه هذه اللَّفظةُ في كلامه مِن غير قصدٍ، فنُقِلَ منه على هذا الوجه، وأنَّ هذه اللَّفظةَ فارسيَّةٌ، وليست بعربيَّة، وَاللهُ أَعْلَمُ.