عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب قول الله تعالى: {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى}
  
              

          ░6▒ (ص) بابُ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى}[البقرة:197].
          (ش) أَي: هَذَا بَابٌ فِي بَيَانِ التزوُّد المأمور به في قول اللهِ تَعَالَى: {وَتَزَوَّدُوا} وإِنَّما أمر بالتزوُّد لِيَكُفَّ الَّذِي يحجُّ وجهَه عنِ الناس، قال العَوفيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاس: كان أناسٌ يخرجون مِن أهليهم ليس معهم زادٌ، يقولون: نحجُّ بيت اللهِ ولا يطعمنا؟ فقال اللهُ: «تزوَّدوا ما يكفُّ وجوهَكم عن النَّاس»، وروى ابْن جَرِيرٍ وابن مَرْدَويه مِنْ حَدِيثِ عَمْرو بن عَبْدِ الْغَفَّارِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ ☻ قال: كانوا إذا أحرموا ومعهم أزوادُهم؛ رمَوا بها واستأنفوا زادًا آخر، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} فنُهوا عن ذلك، وأُمِرُوا أن يتزوَّدوا الكَعْك والدَّقِيق والسَّوِيق، ثُمَّ لمَّا أمرهم بالزاد للسفر في الدنيا؛ أرشدهم إلى زاد الآخرة؛ وهو استصحابُ [التقوى إليها، وذكر أنَّهُ خيرٌ مِن هذا وأنفع، قال عَطَاء الْخُرَاسَانِيُّ في قوله: {فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى}]: يعني: زاد الآخرة، وروى الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ قَيْسٍ عَنْ جَرِيرِ بنِ عَبْدِ اللهِ عَنِ النَّبِيِّ صلعم قال: «مَن يتزوَّد في الدنيا ينفعه في الآخرة» ثُمَّ قال: {وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الأَلْبَابِ}[البقرة:197]، يقول: اتَّقُوا عِقَابِي ونَكَالِي وعَذَابِي لِمَن خَالَفَنِي، وَلَم يَأْتَمِر بِأَمْرِي، يَا ذَوِي العُقُولِ وَالأَفْهَامِ.