عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب التلبية والتكبير غداة النحر حين يرمي الجمرة
  
              

          ░101▒ (ص) بابُ التَّلْبِيَةِ وَالتَّكْبِيرِ غَدَاةَ النَّحْرِ حِينَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ، وَالاِرْتِدَافِ فِي السَّيْرِ.
          (ش) أي: هذا باب في بيانِ التلبيةِ والتكبيرِ غداةَ يومِ النحر حين يرمي جمرةَ العقبة، وفي رواية الكُشْميهَنيِّ: <حَتَّى يرميَ جمرةَ العقبة>.
          قوله: (وَالاِرْتِدَافِ) بالجرِّ عطفٌ على المجرورِ فيما قبله؛ أي: وفي بيانِ الارتداف؛ وهو الركوبُ خلفَ الراكب في السير مِن مزدلفة إلى منًى.
          وهذه الترجمة مشتمِلةٌ على ثلاثةِ أجزاءٍ: التَّلبيةُ: وهي أن يقول: (لبَّيكَ اللَّهمَّ...) إلى آخره، والتَّكبيرُ: وهو أن / يكبِّرَ اللهَ تعالى، والارْتدِافُ: وهو الركوبُ خلفَ الرَّاكبِ.
          وقال الكَرْمَانِيُّ: ليسَ في الحديث ذكرُ التكبير، فكيف دلالتُه عليه؟ ثُمَّ أجاب بأنَّ المرادَ به الذَّكرُ الذي في خلالِ التَّلبيةِ، وهو مُختَصَرٌ مِنَ الحديث الذي فيه ذكرُ التَّكبير، أو غرضه أن يستدلَّ بالحديث على أنَّ التكبيرَ غيرُ مشروع؛ إذ لفظ: «لَم يَزَلْ» دليلٌ على إدامةِ التلبية انتهى.
          قُلْت: قوله: (أو غرضه...) إلى آخره: فيه بعدٌ، وهو عبارةٌ خشنةٌ، والجواب الصحيح فيه: أنَّهُ قد جرت عادةُ البُخَاريِّ أنَّهُ إذا ذكرَ ترجمةً ذات أجزاء، وليس في حديث البابِ ذكرُ هذه الأجزاء كلِّها، ولكن كانَ حديثٌ آخر فيه ذكرُ ذلك الجزءِ الذي لم يذكره؛ أنَّهُ يُشيرُ إليه بذكره في الترجمة؛ لينتهضَ الطالبُ ويبحثَ عنه، وقد روى الطَّحَاويُّ فقال: حَدَّثَنَا فهدٌ قال: حَدَّثَنَا أحمد بن حُمَيدٍ الكوفيُّ قال: حَدَّثَنَا عبد الله بن المبارك عن الحارث بن أبي ذُباب، عن مجاهدٍ، عن عبد الله بن سَخْبَرةَ قال: لبَّى عبدُ الله وهو يتوجَّه، فقال أناسٌ: مَن هذا الأعرابيُّ؟ فالتفتَ إليَّ عبد الله فقال: ضلَّ الناسُ أم نسُوا؟ والله ما زال رسولُ الله صلعم يلبِّي حَتَّى رمى جمرةَ العقبة إلَّا أن يخلط ذلك بتهليلٍ أو تكبيرٍ، وأخرجَ البَيْهَقيُّ مِن حديث صفوان بن عيسى: حَدَّثَنَا الحارث بن عبد الرَّحْمَن عن مجاهدٍ عن عبد الله بن سَخْبَرة قال: غدوتُ معَ عبد الله بن مسعودٍ ☺ مِن منًى إلى عرفة، وكان رجلًا آدم له ضفيرتان، عليه مسحةُ أهل البادية، وكان يُلبِّي، فاجتمع عليه الغوغاءُ، فقالوا: يا أعرابيُّ؛ إنَّ هذا ليس بيوم تلبيةٍ، إِنَّما هو التكبيرُ، فالتفتَ إليَّ فقال: جهلَ الناسُ أم نسُوا؟ والذي بعث مُحَمَّدًا بالحقِّ؛ لقد خرجتُ معه مِن منًى إلى عرفةَ، فما تركَ التلبيةَ حَتَّى رمى الجمرة إلَّا أن يخلطها بتكبيرٍ أو تهليلٍ.