عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب إغلاق البيت ويصلي في أي نواحي البيت شاء
  
              

          ░51▒ (ص) باب إِغْلَاقِ الْبَيْتِ، وَيُصَلِّي فِي أَيِّ نَوَاحِي الْبَيْتِ شَاءَ.
          (ش) أي: هذا بابٌ يُذكَر فيه إغلاق باب الكعبة البيت الحرام، يقال: أغلقتُ الباب فهو مُغلَق، والاسم الغَلق، وغلقت الباب غلقًا لغةٌ رديئة، قاله الجَوْهَريُّ، {وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ}[يوسف:23] شُدِّد للكثرة.
          قوله: (وَيُصَلِّي) أي: الداخل في البيت يصلِّي في أيِّ ناحية شاء من نواحي البيت، وكلُّ ناحيةٍ مِن نواحي البيت مِن داخله سواء؛ كما أنَّ كلَّ نواحيه مِن خارجه في الصلاة إليه سواء، وفي «التوضيح»: وقال الشَّافِعِيُّ: مَن صَلَّى في جوف الكعبة مستقبِلًا حائطًا مِن حيطانها؛ فصلاتُه جائزةٌ، وإن صَلَّى نحو الباب وكان مغلقًا؛ فكذلك، وإن كان مفتوحًا فباطلةٌ؛ لأنَّه لم يستقبل شَيْئًا منها، فكأنَّه استدلَّ على ذلك بغلق باب الكعبة حين صلَّوا، وقد يقال: إِنَّما أغلقه لكثرة الناس عليه، فصلَّوا بصلاته، ويكون ذلك عندهم من مناسك الحجِّ؛ كما فعل في صلاة الليل حين لم يخرج إليهم خشيةَ أن تُكتَب عليهم، ومتى فُتِح وكانت العتبةُ قدر ثلثي ذراعٍ؛ صحَّت أَيْضًا، ولا يرد عليه ما إذا انهدمت وَصَلَّى كما ألزمنا ابن الْقَصَّارِ به؛ لأنَّه صَلَّى إلى الجهة، انتهى، وقَالَ النَّوَوِيُّ: إذا كان الباب مردودًا أو له عتبةٌ قدرَ ثُلُثي ذراعٍ؛ يجوز، هذا هو الصَّحِيح، وفي وجهٍ: بقدر ذراعٍ، وقيل: يكفي شخوصها، وقيل: يشترط قدرُ قامةٍ طولًا وعرضًا، ولو وضع بين يديه متاعًا واستقبله؛ لم يجز.
          قُلْت: الصلاة في الكعبة جائزةٌ، فرضها ونفلها، وَهُو قَولُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وقال مَالِكٌ: لا يُصلَّى في البيت والحجر فريضةٌ ولا رَكعتا الطَّوَاف الواجبتان ولا الوتر ولا ركعتا الفجر، وغيرُ ذلك لا بأسَ به، ذكره في «ذَخيرتِهم»، وذكر القرطبيُّ في «تَفْسِيره» عَنْ مَالِكٍ: أنَّهُ لا يُصلِّي فيها الفرض ولا السنن، ويصلِّي التطوُّع، فإن صَلَّى فيه مكتوبةً أعاد في الوقت؛ كمَن صَلَّى إلى غير القبلة بالاجتهاد، وعند ابن حَبِيب وأَصْبَغ: يعيد أبدًا، وبقول مَالِكٍ قال أَحْمَدُ، وقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لا يعيد مطلقًا، ومُحَمَّد بن جَرِير الطَّبَريُّ منع الجميع فيها.