مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب ما جاء في البناء

          ░53▒ باب ما جاء في البناء
          وقال أبو هريرة عن النبي صلعم: ((من أشراط الساعة)) الحديث وسلف.
          ثم ساق حديث ابن عمر قال: رأيتني مع النبي صلعم الحديث.
          أشراط الساعة: علاماتها، جمع: شرط بفتح الراء والبهم بفتح الباء: جمع بهيمة، وهي صغار الضأن، قاله الجوهري. وقال أبو عبيد في ((مصنفه)): البهم: من أولاد المعز، يقال ذلك للذكر والأنثى. وقال ابن فارس: البهم: صغار الغنم. ولبنة ككلمة ما يبنى بها، وجمعها: لبن، قال ابن السكيت: ومن العرب من يقول: لبنة أي: بإسكان الباء.
          قوله: (ما أعانني عليه أحد) يريد: بخفة مؤنته، وتأويل سفيان فيما قيل عن ابن عمر، أنه بني بعد أن قال صحيح؛ لأن العالم إذا روي عنه قولان مختلفان أو قول مخالف لفعله ينبغي حملهما على ما لا تناقض فيه؛ ألا ترى أن قريب ابن عمر لم يكذبه في قوله.
          قوله: (ولا غرست نخلة) ليس الغرس من ذلك في شيء؛ لأن من غرس بنية طلب الكفاف أو لفضل ما ينال منه، ففي ذلك الفضل لا الإثم. قاله الداودي.
          قوله: (يكنني من المطر) هو بضم الياء من أكن، قال ابن التين: كذا قرأناه.
          وفي ((الصحاح)) عن الكسائي: كننت الشيء: سترته، وصنته من الشمس، وأكننته في نفسي: أسررته.
          وقال أبو زيد: كننته وأكننته بمعنى واحد في الكن وفي النفس جميعاً تقول: كننت العلم وأكننته، وكننت الجارية وأكننتها.
          والتطاول في البنيان من أشراط الساعة، وذلك أن يبنى ما يفضل عما يكنه من الحر والبرد، ويستره عن الناس، وقد ذم الله تعالى من فعل ذلك فقال: {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ} [الشعراء:128] الآية، وقد جاء عن رسول الله أنه قال: ((ما أنفق ابن آدم في التراب فلن يخلف له ولا يؤجر عليه)) فأما من بنى ما يحتاج إليه ليكنه من الحر والمطر فمباح له ذلك، وكذلك فعل السلف؛ ألا ترى قول ابن عمر: ((بنيت بيدي بيتاً يكنني من المطر..)) إلى آخره.
          وقد روي مثل ذلك عن رسول الله، روى الطبري عن الحسن، عن حمران بن أبان، عن عثمان بن عفان أنه ◙ قال: ((كل شيء سوى جلف هذا الطعام يعني: كثير الطعام وهذا الماء وبيت يطله وثوب يستره، فليس لابن آدم فيه حق)) فأباح من البناء ما يقيه أذى الشمس والمطر اللذين لا طاقة لأحد باحتمال مكروههما، كما أباح من الغذاء ما به قوام بدنه، من مطعم أو مشرب، ومن الملبس ما يستر عورته، وما زاد على ذلك فلا حق له فيه، يعني: إذا لم يصرفه في الوجوه المقربة له إلى الله تعالى فإذا فعل ذلك فله الحق في أخذه وصرفه في حقه.
          وروى ابن وهب وابن نافع عن مالك قال: كان سلمان يعمل الخوص بيده، وهو أمير، ولم يكن له بيت إنما كان يستظل بالجدر والشجر.
          قال والدي ⌂:
          (باب لا تترك النار).
          قوله: (ابن عيينة) هو سفيان و(لا تتركوا) هذا عام / يدخل فيه نار السراج وغيره، وأما القناديل المعلقة في المساجد وغيرها إذا أمن الضرر كما هو الغالب، فالظاهر أنه لا بأس بها.
          قوله: (بريد) مصغر البرد بالموحدة والراء والمهملة وكذا (أبو بردة) بضم أولها وسكون وسطها و(حدث) بلفظ المجهول و(عدو) يستوي فيه المذكر والمؤنث والمثنى والجمع.
          قوله: (كثير) ضد القليل ابن شنظير بكسر المعجمتين وإسكان النون بينهما والتحتانية وبالراء الأزدي البصري و(التخمير) التغطية و(الإجافة) الرد يقال أجفت الباب أي: رددته و(الفويسقة) الفأرة و(الفتيلة) هي فتيلة المصباح.
          قوله: (حسان بن أبي عباد) بفتح المهملة وشدة الموحدة ساكن مكة المشرفة و(همام) هو ابن يحيى و(الإيكاء) الشد والربط و(السقاء) القربة وفائدته صيانته من الشيطان، فإنه لا يكشف غطاء ولا يحل سقاء ومن الوباء الذي ينزل من السماء في ليلة من السنة كما ورد به الحديث والأعاجم يقولون تلك الليلة في كانون الأول ومن المنذرات والحشرات و(العود) الخشب ويراد به أن التخمير يحصل بذلك.
          قوله: (الإبط) بسكون الموحدة و(يحيى بن قزعة) بالقاف والزاي والمهملة المفتوحات و(الفطرة) أي سنة الأنبياء الذين أمرنا أن نفتدي بهم وأول من أمر بها إبراهيم ◙ قال تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ} [البقرة:124] والتخصيص بالخمس لا ينافي الرواية القائلة بأنها عشر والسواك والمضمضة والاستنشاق والاستنجاء وهذه الخمسة وفيه روايات أخر.
          قوله: (الاستحداد) أي: استعمال الحديد لحلق العانة و(الختان) واجب والأربعة الباقية سنة فالمراد من الفطرة السنة التي هي الطريقة الأعم من المندوب.
          قوله: (شعيب بن أبي حمزة) بالمهملة والزاي و(أبو الزناد) بكسر الزاي وبالنون عبد الله و(القدوم) بفتح القاف وخفة المهملة موضع وقيل هو آلة النجار و(المغيرة) بضم الميم وكسرها ابن عبد الرحمن الحزامي بكسر المهملة وتخفيف الزاي المدني و(ابن إدريس) هو عبد الله الأودي بفتح الهمزة وإسكان الواو وبالمهملة، أحد الأعلام كان نسيج وحده وفريد زمانه و(أبو إسحاق) هو عمرو السبيعي بفتح المهملة وكسر الموحدة وبإهمال العين و(محمد بن عبد الرحيم) المشهور بصاعقة و(عباد) بفتح المهملة وشدة الموحدة ابن موسى مات سنة ثلاثين ومائتين و(يدرك) أي: البلوغ والختان إنما يجب إذا بلغ ويندب قبله.
          قوله: (يحيى بن بكير) مصغراً و(عقيل وحميد) كذلك وقال فليقل لأنه تعاطى صورة تعظيم الأصنام حين حلف بها فأمر أن يتداركه بكلمة التوحيد؛ أي: كفارته كلمة الشهادة وكفارة الدعوة إلى القمار التصدق بما ينطلق عليه اسم الصدقة ومر مباحثه في أواسط كتاب الأدب.
          فإن قلت: ما وجه تعلق هذا الباب بكتاب الاستئذان وما وجه مناسبة الحديث للترجمة؟ قلت: لعل التعلق الإشارة إلى أن الدعاء إلى المقامرة لا يكون إذناً للدخول في منزله؛ لأنه يحتاج إلى كفارة فلا اعتداد له شرعاً أو ملابسة أن اللهو وكذا الختان لا يحصل إلا في الدور والمنازل الخاصة لا سيما وكل منهما يتضمن اجتماع الناس عند أصحابهما والدخول عليهم.
          وأما مناسبته للترجمة فقال شارح التراجم: وأما مطابقة الخبر لها فلأن الحلف باللات لهو شاغل عن الحلف بالحق فيكون باطلاً.
          قال ووجه مطابقة الآية لها أنه جعل اللهو فيها قائداً إلى الضلال صادًّا عن سبيل الله فهو باطل.
          قوله: (أشراط الساعة) أي: علاماتها.
          فإن قلت: لم ذكر جمع القلة والعلامات أكثر من العشرة؟ قلت: بين / الجمعين معارضة أو أن الفرق بينهما في الجموع النكرة لا في المعارف.
          قوله: (البهم) بضم الباء جمع الأبهم وهو الذي [لا] يخلط لونه شيء سوى لونه وبفتحها جمع البهمة وهي أولاد الضأن ويقال البهم أيضاً المجتمعة منها ومن أولاد المعز، وحاصله أن الفقراء من أهل البادية تبسط لهم الدنيا حتى يتباهون في إطالة البنيان يعني: العرب تستولي على الناس وهو إشارة إلى اتساع دين الإسلام واستيلاء أهله.
          قوله: (إسحاق) هو ابن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص الأموي و(رأيتني) ضمير الفاعل والمفعول عبارة عن شخص واحد و(عمرو) هو ابن دينار و(قبض) أي: توفي و(يبني) أي قال ابن عمر ذلك قبل البناء وفي بعضها قبل أن يبتني؛ أي: يتزوج ويحتمل أنه أراد الحقيقة أي: البناء بيده والمباشرة بنفسه وأهله أراد التسبب بالأمر به ونحوه.
          الزركشي:
          (أجيفوا الأبواب) بالجيم؛ أي: أغلقوها.
          (تعرضه) بضم الراء وكسرها.