مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب من رد فقال عليك السلام

          ░18▒ باب من رد فقال: عليك السلام
          وقالت عائشة: و ◙ ورحمة الله وبركاته، وقال النبي صلعم: ((رد الملائكة)) إلى آخره.
          ثم ساق حديث أبي هريرة في قصة المسيء صلاته، وفيه لما سلم قال: وعليك السلام ثلاثاً. اختلفت الآثار في هذا الباب فروي أنه ◙ قال في رد السلام: ((عليك السلام)).
          وقال في رد الملائكة على آدم: ((السلام عليك)).
          وفي القرآن تقديم السلام على اسم المسلم عليه وهو قوله: {سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ} [الصافات:130]، و{سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ} [الصافات:120]، وقال في قصة إبراهيم: {رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ} [هود:73].
          وقد صح الوجهان عن رسول الله إلا أنه جرت عادة العرب بتقديم اسم المدعو عليه في الشر خاصة، لقولهم: عليه لعنة الله، قال: {وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ} [ص:78]، وقال تعالى في المتلاعنين: {وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [النور:7] وكذا في الغضب فيه.
          وروى يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة مرفوعاً: ((السلام اسم من أسماء الله فأفشوه بينكم)).
          فإن صح فالاختيار في التسليم والأدب فيه تقديم اسم الله على اسم المخلوق وإن فعل غير ذلك، وقدم اسم الملائكة عليه على اسم الله فلم يأت محرماً ولا خرج عليه؛ لثبوته عن رسول الله.
          والمراد والله أعلم بما تيسر: الفاتحة فدل الرواية الأخرى الصحيحة: ((فاقرأ بأم القرآن أو بما تيسر غيرها معها)) ولا حجة إذن لمن لم يوجبها، كما هو رواية شاذة عن مالك والمشهور عنه وجوبها، واختلف قوله؛ هل هي في كل ركعة، أو في الصلاة، أو في كلها؟
          وفيه: وجوب الطمأنينة وهو مشهور مذهب مالك، ووقع له: إذا لم يرفع رأسه من الركوع حتى يسجد يجزئه، ونحوه لابن القاسم.
          قوله: (وقال أبو أسامة في الأخير: حتى يستوي قائما) يعني الجلسة الأخيرة، وقد يقال للجالس: قائم؛ قال تعالى: {إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِمًا} [آل عمران:75]. قاله الداودي.
          وليس بظاهر؛ لأنه إنما علمه ركعة واحدة والذي يليها هو القيام، ويكتفى بتعليمها عن تعليم باقي الركعات، ولعل تشهده كان جيداً فلذلك لم يعلمه له.
          فروع:
          لو سلم على صبي لا يجب عليه الجواب قاله المتولي، وهو ظاهر لانتفاء التكليف في حقه، والمستحب له الجواب(1)، ولو سلم الصبي على بالغ ففي الوجوب على البالغ وجهان مبنيان على صحة إسلامه، إن قلنا: يصح فكالبالغ، وإلا فلا يجب الرد؛ نعم يستحب.
          وصفة السلام على الصبيان: السلام عليكم يا صبيان، ذكره أبو نعيم في كتابه ((عمل اليوم والليلة)) بسنده عن أنس رفعه.
          فإن سلم على شخص ثم لقيه عن قرب أعاد ثانياً وثالثاً وأكثر، فإذا تلاقيا فسلم كل منهما على صاحبه دفعة واحدة أو أحدهما بعد الآخر فالمختار الاكتفاء، فلا يجب على أحد منهما الرد، وإذا لقي إنسان آخر فقال له: وعليك السلام، قال المتولي: لا يكون سلاماً، ولا جواب؛ لأن هذه الصيغة لا تصلح للابتداء، فإن قال: عليك أو عليكم بغير واو فقطع الواحدي بأنه سلام يتحتم على المخاطب به الجواب، وإن كان قد قلب اللفظ المعتاد، وما قاله هو الظاهر وجزم به الإمام؛ لأنه يسمى سلاماً، والسنة البداءة بالسلام قبل كل كلام / ، والأحاديث الصحيحة وعمل الأمة سلفها وخلفها على وفق ذلك مشهور.
          وأما حديث: ((السلام قبل الكلام)) فزعم (ت) أنه حديث منكر، والابتداء بالسلام سنة؛ لقوله ◙: ((وخيرهما الذي يبدأ بالسلام)) والرد أفضل منه كما سلف، وإذا كان المسلم عليه مشتغلاً بالبول أو الجماع ونحوه فيكره السلام عليه، فإن سلم لا يستحق جواباً، وكذا من كان نائماً أو ناعساً أو مصلياً أو مؤذناً في حال أذانه أو إقامته، أو كان في حمام أو كان يأكل واللقمة في فيه.
          وابتداء الذمي بالسلام حرام على الأصح، فإن سلم علينا أجبنا بعليكم من غير زيادة، وقيل: فعليك، وقيل: وعليكم السلام فقط.
          وعن إبراهيم: إذا كتبت إلى اليهودي أو النصراني في الحاجة فابدأه بالسلام.
          وعن محمد بن كعب: ما أرى بأساً أن أبدأهم قال تعالى: {وَقُلْ سَلَامٌ} [الزخرف:89].
          وعن أبي أمامة أنه كان لا يمر بمسلم ولا يهودي ولا نصراني ولا صغير ولا كبير إلا بدأه بالسلام فقيل له في ذلك، فقال: أمرنا أن نفشي السلم.
          وحكى عياض عن جماعة: ابتداؤوهم بالسلام للضرورة وشبهها، وهو قول علقمة والنخعي، وعن الأوزاعي وقد سئل عن مسلم مر بكافر فسلم عليه، فقال: إن سلمت فقد سلم الصالحون، وإن تركت فقد ترك الصالحون.
          ولو سلم ولم يرد فيحلله منه بأن يقول: أبرأته من حقي من رد السلام، أو جعلته في حل منه ونحو ذلك ويلفظ بهذا، ويقول له: بعنان لطيفة رد السلام واجب فينبغي لك أن ترد علي لأجل إسقاط الفرض.
          فرع غريب:
          في ((القنية)) من كتب الحنفية: لا يسلم المتفقه على أستاذه، ولو فعل لا يجب رد السلام، وكذلك الخصمان إذا سلما على القاضي، ولا يسلم على الشيخ الممازح أو المرتد أو الكذاب أو اللاغي ومن يسب الناس، وينظر في وجوه النساء في الأسواق ولا تعرف توبته، والذين جلسوا في المسجد للقراءة والتسبيح أو لانتظار الصلاة ما جلسوا فيه لدخول الزائر عليهم فليس هذا أوان السلام فلا يسلم عليهم؛ ولهذا قالوا: لو سلم عليهم الداخل وسعهم أن لا يجيبوه؛ لأن السلام إنما يكون على من جلس للزيارة والتحية.
          قال والدي ⌂:
          (باب التسليم والاستئذان).
          قوله: (إسحاق) أي: ابن منصور أو ابن إبراهيم و(عبد الصمد) أي: ابن عبد الوهاب و(عبد الله ابن المثنى) ضد المفرد و(ثمامة) بضم المثلثة وخفة الميم.
          قوله: (ثلاثا) وذلك ليبالغ في التفهيم والإسماع ولهذا كرر القصص في القرآن وليرسخ ذلك في قلوبهم والحفظ إنما هو بتكرير الدراسة فأخرج الحديث مخرج العموم، والمراد به الخصوص أي كان ذلك في أكثر أمره.
          قوله: (يزيد) من الزيادة ابن عبد الله بن حصيفة مصغر الحصفة بالمعجمة والمهملة والفاء الكوفي و(بسر) أخو الرطب بن سعيد المدني و(مذعور) بإعجام الذال وإهمال العين يقال ذعرته أي: أفزعته.
          قوله: (ما منعك) أي قال عمر لأبي موسى ما منعك من الدخول وفي الحديث اختصار أي فلم يؤذن له فعاد إلى منزله وكان عمر مشغولاً فلما فرغ قال: ألم أسمع صوت عبد الله بن قيس ائذنوا له قيل قد رجع فدعاه فقال: ما منعك مر في كتاب البيع.
          قوله: (أبي) بضم الهمزة وفتح الموحدة وشدة التحتانية و(ابن المبارك) عبد الله و(ابن عيينة) سفيان، قال (خ): أراد عمر التثبيت لا أنه لا يجيز خبر الواحد، أقول: لا شك أن المراد التثبت لما يجوز من السهو وغيره بدليل أنه قبل خبر حمل بفتح المهملة والميم ابن مالك وحده في أن دية الجنين غرة، وخبر عبد الرحمن بن عوف في الجزية ثم نفس هذه القصة دليل على قبوله ذلك؛ لأنه بانضمام شخص آخر إليه لم يصر متواتراً فهو خبر واحد، وقد قبله بلا خلاف.
          وفيه أن العالم قد يخفى عليه من العلم ما يعلمه من هو دونه والإحاطة لله وحده.
          قوله: (سعيد) أي: ابن أبي عروبة بفتح المهملة وضم الراء وبالموحدة وفي بعضها شعبة بضم المعجمة وإسكان المهملة ابن الحجاج و(أبو رافع) ضد الخافض / نفيع مصغر الضر الصائغ بالمهملة والهمز بعد الألف وبالمعجمة و(هو) أي: الدعاء نفس الإذن لا حاجة إلى تجديده.
          قوله: (عمر بن ذر) بفتح المعجمة وشدة الراء الهمداني و(ألحق) من اللحوق و(الصفة) اللام فيها للعهد عن سقيفة كانت في مسجد رسول الله صلعم ينزل فيها فقراء الصحابة.
          فإن قلت: هذا الحديث يدل على أنه لا بد للمدعو من الاستئذان والحديث السابق على ضده؟ قلت: قال المهلب: إذا دعي فأتى مجيباً للدعوة ولم يتراخ المدة أو كان في الموضع المدعو إليه مدعو آخر مأذوناً له فهذا دعاؤه إذنه وإن تراخت ولم يسبقه أحد في الدخول فلا، هذا وجه الجمع بينهما.
          قوله: (علي بن الجعد) بفتح الجيم وسكون المهملة الأولى و(سيار) بفتح المهملة وشدة التحتانية وبالراء ابن وردان بفتح الواو وتسكين الراء وبالمهملة وبالنون و(ثابت) بالمثلثة والموحدة البناني بضم الموحدة وخفة النونين.
          قوله: (علي الصبيان) سلامه ◙ عليهم من خلقه العظيم وأدبه الشريف.
          وفيه تدريب لهم على تعليم السنن ورياضة لهم على آداب الشريعة ليبلغوا متأدبين بآدابها.
          قوله: (عبد الله بن مسلمة) بفتح الميم واللام القعنبي بفتح القاف وسكون المهملة وفتح النون وبالموحدة و(عبد الله بن أبي حازم) بالمهملة والزاي سلمة بالمفتوحتين و(بضاعة) بضم الموحدة وكسرها وخفة المعجمة وبالمهملة بئر بالمدينة بديار بني ساعدة من الأنصار، و(قال ابن مسلمة نخل) أي: بستان و(تكركر) أي: تطحن وأصله من الكر ضوعف لتكرار عود الرحى ورجوعها في الطحن مرة بعد أخرى، وقد تكون الكركرة بمعنى: الصوت والتصريف مر في كتاب الجمعة.
          قوله: (ابن مقاتل) بكسر الفوقانية محمد و(يقرئك السلام) في بعضها: يقرأ عليك السلام يقال أقرأ فلاناً السلام وأقرأ ◙ كأنه حين يبلغه سلامه يحمله على أن يقرأ السلام ويرده.
          قوله: (ترى) خطاب لرسول الله صلعم.
          فإن قلت: الملك جسم فإذا كان في مكان لا تختص رؤيته ببعض الحاضرين؟ قلت: الرؤية أمر يخلقها الله تعالى في الشخص فهي ثابتة لخلقه، ولهذا جاز عند الأشعرية أن يرى أعمى الصين بقة أندلس ولا يراها من هو عندها.
          قال ابن بطال: السلام على النساء جائز إلا على الشابات منهن، فإنه يخشى أن يكون في مكالمتهن بذلك خائنة الأعين، أو نزغات الشيطان، وقال الكوفيون: لا يجوز إذا لم يهن ذوات محارم والحديثان حجة عليهم.
          قوله: (يونس) هو ابن يزيد بالزاي الأيلي بالهمزة والتحتانية واللام و(النعمان) بضم النون، ابن راشد الخزرجي بالمعجمة والزاي وبالراء.
          قوله: (كرهها) لأنه لا يتضمن الجواب عما سأل، إذ الجواب المفيد أنا جابر وإلا فلا بيان فيه.
          وفيه جواز ضرب باب الحاكم، وقال بعضهم: إنما كره؛ لأنه لم يستأذن بلفظ السلام بل بالدق ولفظ أنا الثاني تأكيد للأول.
          قوله: (عبد الله بن نمير) مصغر النمر بالنون الخارفي بالمعجمة وكسر الراء وبالفاء و(عبيد الله) ابن أبي عمر بن حفص العمري و(أبو أسامة) هو حماد بن أسامة سمع عبيد الله و(في الأخير) أي: اللفظ الأخير، وهو حتى تطمئن جالساً يعني قال مكانه حتى تستوي قائماً، والأولى يناسب مذهب من قال بجلسة الاستراحة بعد السجود، مر الحديث في الصلاة في باب وجوب القراءة.
          قوله: (ابن بشار) بالموحدة وشدة المعجمة محمد و(يحيى) أي: القطان و(عبيد الله) أي: العمري و(سعيد) أي المقبري.
          فإن قلت: روى سعيد في الطريقة السابقة عن أبي هريرة بلا واسطة وفي هذه روى عن أبيه عن أبي هريرة فذكر كلمة الأب زائدة هاهنا أو ناقصة؟ قلت: لا زائدة ولا ناقصة؛ لأن سعيداً سمع منهما فتارة يروي عن الأب وأخرى عن أبي هريرة.
          واعلم أن مقصود (خ) من هذا / الباب أن رد السلام ثبت على نوعين بتقديم السلام على عليك وبالتأخير عنه وكلاهما جواب.
          الزركشي:
          قوله: (فدففت الباب) وروي: ((فدفعت الباب)) بالفاء والعين.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: هذا مشكل لأن الله تعالى قال: {وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ} الآية فكل منهما قد حيى الآخر، فالظاهر أن يجب على [كل] منهما الرد على صاحبه)).