مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب بدء السلام

          ░1▒ باب: بدء السلام
          فيه حديث أبي هريرة، عن النبي صلعم قال: ((خلق الله آدم على صورته)).
          الهاء في صورته تعود على آدم، وقيل: على مضروب في وجهه، وقيل: على الله، فمن قال بالأول احتج بأنه أقرب مذكور إلى الضمير، ويكون فائدة ذلك إتمام نعم الله على أبينا آدم؛ لما فضله به من خلقه بيده، وسجود الملائكة له، وذلك أن في الخبر: لما أخرج من الجنة أخرج معه الحية والطاوس، فعاقب [الحية] بأن سود خلقها وسلبها قوائمها وجعلها أكلها من التراب، وشوه خلق رجلي الطاوس، وأبقى آدم على هيئته.
          ففائدة التعريف: الفرق بينه وبين المخرج معه، وقيل: فيه إبطال قول الدهرية أنه لم يكن إنسان إلا من نطفة، ولا نطفة إلا من إنسان، ليس كذلك أول ولا آخر، فعرفنا الشارع تكذيبهم، وأن أول البشر آدم خلق على صورته لم يخلق من نطفة، ولا من تناسل، ولا كان طفلاً، ولا سكن رحماً، وقيل: لأن الله خلقه من غير أن كان ذلك على تأثير طبع ولا عنصر؛ إبطالاً لقول الطبائعيين أن آدم خلق من فعل الطبع وتأثيره.
          وذكر ابن فورك أن أظهر التأويل في ذلك أن الحديث خرج على سبب، وذلك أنه ◙ مر على رجل يضرب ابنه أو عبده في وجهه لطماً، ويقول: قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك. فقال ◙: ((إذا ضرب أحدكم عبده فليتق الوجه؛ فإن الله خلق آدم على صورته)). فزجره عن ذلك؛ لأنه قد يسبه الأنبياء والمؤمنين، وخص آدم بالذكر؛ لأنه الذي ابتدئت خلقته ووجهه على الحد الذي يخلق عليها / سائر ولده، قالها على هذا الوجه كناية عن المضروب في وجهه، فنقل بعضهم هذه القصة مع هذه اللفظة.
          وأضعف الوجوه أن تكون الهاء كناية عن الله من قبل أن الضمير يعود إلى أقرب مذكور إليه، إلا أن تدل دلالة على خلاف ذلك، وعلى هذا التأويل يكون معنى الصورة معنى الصفة، كما يقال: عرفني صورة هذا الآمر، أي: صفته ولا صورة للأمر على الحقيقة، إلا على معنى الصفة ويكون تقدير التأويل: أن الله خلق آدم على صفته؛ أي: خلقه حيا عالما سميعا بصيراً متكلما مختاراً مريداً، فعرفنا بذلك إسباغ نعمة الله عليه وتشريفه بهذه الخصال.
          ونظرنا في الإضافة إلى الله فوجدناها على وجوه: منها: إضافة الفعل كما يقال: خلق الله، وأرض الله، وسماء الله. وإضافة الملك كما يقال: رزق الله، وعبد الله. وإضافة اختصاص وتنويه بذكر المضاف إليه كقولهم: الكعبة بيت الله. وكقوله: {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي} [الحجر:29]، ووجه آخر من الإضافة نحو قولهم: كلام الله وعلمه وقدرته. وهي إضافة اختصاص من طريق القيام به، وليس من جهة الملك والتشريف، بل ذلك على معنى أن ذاته غير متعرية بها قياماً بها ووجوداً، ثم نظرنا إلى إضافة الصورة إلى الله تعالى، فلم يصح أن يكون وجه إضافتها إليه على نحو إضافة الصفة إلى الموصوف بها، من حيث تقوم به؛ لاستحالة أن يقوم بذاته حادث، فبقي من وجوه الإضافة: الملك والفعل والتشريف. فأما الأولان فوجهه عام وتبطل فائدة التخصيص فبقي الثالث، وطريق ذلك أن الله هو الذي ابتدأ تصوير آدم لا على مثال سبق، بل اخترعه ثم اخترع من بعده على مثاله، فشرفت صورته بالإضافة إليه، لا أنه أريد إثبات صورة الله تعالى على التحقيق هو بها مصور؛ لأن الصورة هي التأليف والهيئة، وذلك لا يصح إلا على الأجسام المؤلفة، والباري تعالى عن ذلك.
          وقيل: المعنى في رجوع الهاء إلى آدم تكذيب القدرية لما زعمت أن من صورة آدم وصفاته ما لم يخلقه الله تعالى، وذلك أنهم يقولون: إن صفات آدم على نوعين: منها ما خلقها الله، ومنها ما خلقها آدم لنفسه، فأخبر ◙ بتكذيبهم وأن الله خلقه على جميع صورته وصفاته وأعراضه، ويحتمل أن يكون رجوع الهاء إليه أيضاً من وجه آخر على أصول أهل السنة أن الله خلق السعيد سعيداً والشقي شقيًّا، وخلق آدم وعلم أنه يعصيه ويخالف أمره، وسبق العلم بذلك، وأنه يعصي ثم يتوب تنبيهاً على وجوب جريان قضاء الله على خلقه، وإنما تحدث الأمور وتتغير الأحوال على حسب ما يخلق عليه المرء وييسر له.
          وقال بعضهم: الهاء تعود على بعض الشاهدين من الناس.
          فالفائدة في ذلك تعريفنا أن صورة آدم كانت كهذه الصور؛ إبطالاً لقول من زعم أنها كانت على هيئة أخرى من ذكر طوله وقامته، وذلك مما لا يوثق به؛ إذ ليس في ذلك خبر صحيح وإنما القول في مثله على نقل وهب من أحاديث التوراة ولا بينة في شيء من ذلك، ولم يثبت من جهة أخرى أن خلقة آدم مخالفة لهذه الخلقة، وهذا خلاف نص هذا الحديث.
          فذكر له فيه ابن عجلان، فقال: لم يكن من أهل العلم. وذكر له أبو الزناد فقال: ما زال عاملاً لهؤلاء حتى مات.
          قال المهلب: الحديث يدل على أن الملائكة في الملأ الأعلى يتكلمون بلسان العرب، ويتحيون بتحية الله، وأن التحية للسلام، هي التي أراد الله أن يتحيا بها.
          وفيه الأمر بتعلم العلم من أهله، والقصد إليهم فيه، وأنه من أخذ العلم فمن أمره الله بالأخذ عنه، فقد بلغ العذر في العبادة وليس عليه ملامة؛ لأن آدم أمره الله أن يأخذ عن الملائكة ما يحيونه، وجعلها له تحية باقية وهو تعالى أعلم من الملائكة، ولم يعلمه إلا ليكون سنة.
          قوله: (فلم يزل الخلق ينقص) هو في معنى قوله: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ. ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ} [التين:4-5] ووجه الحكمة في ذلك أن الله تعالى خلق العالم بما فيه دالا على خالق حكيم، وجعل في حركات ما خلق دليلاً على فناء / هذا العالم وبطلانه، خلافاً للدهرية وتزعم أنه لا يفنى، فأبقى الله هذا النقص دلالة على بطلان قولهم؛ لأنه إذا جاز النقص في البعض، جاز الفناء في الكل.
          قوله: (فقال: السلام عليكم) هكذا كان ابن عمر يقول في سلامه وفي رده، وقال ابن عباس: السلام ينتهي إلى البركة، ولا ينبغي أن يقول في السلام: سلام الله عليك، ولكن عليك السلام أو السلام عليكم.
          وابتداء السلام سنة كفاية، وقول القاضي حسين من أصحابنا: ليس لنا سنة كفاية إلا واحداً، ليس كذلك فتشميت العاطس كذلك، وكذا الأضحية في حق أهل بيت.
          والرد واجب وهو أفضل من الابتداء، وقيل: لأنه محصل له، وصرح به في ((المعونة)) والمعروف الأول، فإن المسلم عليهم جماعة فالرد فرض كفاية، خلافاً لأبي يوسف: نعم الأفضل ردهم أجمع، فإن رد غيرهم دونهم أثموا، وأقل السلام: السلام عليكم، فإن كان واحداً خاطب والأفضل الجمع ليتناوله وملائكته، وأكمل منه وزيادة: ورحمة الله وبركاته؛ اقتداءً بقوله تعالى: {رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ} [هود:73] وكالتشهد.
          ويكره: عليكم السلام، وقد قال ◙ لأبي جري الهجيمي: ((لا تقل: عليك السلام؛ فإن عليك السلام تحية الموتى)). صححه (ت)، وادعى ابن بطال أنه لا يثبت، فإن قالها استحق الجواب على الأفصح. وهذا الحديث قد ثبت عنه ◙ أنه قال في سلامه على القبور: ((السلام عليكم دار قوم مؤمنين))، وحياهم بتحية الأحياء.
          وصفة الرد: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، والأفضل الواو، فلو حذفها جاز، وترك الأفضل، ولو اقتصر على: وعليكم السلام، أجزأه، ولو اقتصر على عليكم: لم يجزأه قطعاً، ولو قال: وعليكم، بالواو ففي إجزائه وجهان، وإذا قال ابتداء: سلام عليكم أو السلام عليكم فقال المجيب مثله، كان جواباً وأجزأه. قال تعالى: {قَالُواْ سَلاَمًا قَالَ سَلاَمٌ} [هود:69] ولكن بالألف واللام أفضل.
          ويشترط كون الرد على الفور، فإن أخره ثم رد لم يعد جواباً وكان آثماً بتركه.
          أتاه سلام عليه من غائب مع رسول أو في ورقة، وجب الرد على الفور، ويستحب أن يرد على المبلغ أيضاً، فيقول: وعليك و ◙؛ لما في الحديث أن خديجة لما قال لها ◙: ((هذا جبريل يقرأ عليك من الله السلام)) فقالت: الله السلام وعلى جبريل السلام.
          في (ت) محسناً من حديث أسماء بنت يزيد: مر ◙ في المسجد فألوى بيده بالتسليم، وهو محمول على أنه جمع بين اللفظ والإشارة. كما في رواية (د): فسلم علينا. وأما حديث عبد الله بن عمرو مرفوعاً: ((تسليم اليهود الإشارة بالأصابع، وتسليم النصارى الإشارة بالكف)). وإسناده ضعيف، كما قاله (ت).
          ولو كان السلام على أصم فينبغي الإشارة مع التلفظ؛ ليحصل الإفهام، وإلا فلا يستحق جواباً، وكذا لو سلم على أخرس بالإشارة استحق الجواب.