مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب السلام للمعرفة وغير المعرفة

          ░9▒ باب السلام للمعرفة وغير المعرفة
          فيه حديث يزيد وهو ابن أبي حبيب عن أبي الخير وهو مرثد بن عبد الله اليزني عن عبد الله بن عمرو أن رجلاً سأل النبي صلعم: الحديث وسلف في الإيمان.
          وحديث سفيان، عن الزهري، إلى آخره.
          مراده بقوله: (أي الإسلام خير؟) أي: بعد التوحيد، أو يريد: أي شعب الإسلام خير؟ وفي حديث آخر: أي الأعمال أفضل؟ قال: ((إيمان بالله ثم الجهاد))، وفي آخر: ((ثم الصلاة لمواقيتها)). وقد سلف الجمع بين ذلك. قال ابن التين: ولعل هذا قبل أن يفرض الجهاد والصلاة، وأخباره لا تتنافى، فإذا صلى في الوقت في الجهاد كان أفضل؛ لجمعه بين الأمرين وإن صلاها في غير وقتها فالجهاد أفضل، وهذا لمن ليس له أبوان؛ لقوله في الحديث الآخر بعد الصلاة: ((ثم بر الوالدين))، فمن له أبوان فصلى في الوقت كان أفضل من الجهاد.
          وهذا أيضاً في باب الأدب والتواضع، وفي السلام لغير المعرفة استفتاح للخلطة / ؛ ليكون المؤمنون كلهم إخوة؛ ولا يستوحش أحد من أحد، وترك السلام لغير المعرفة يشبه صدود المتصارمين المنهي عنه، فينبغي للمؤمن أن يجتنب مثل ذلك.
          وقد روى ابن مسعود عن رسول الله أنه قال: ((من أشراط الساعة السلام للمعرفة)).
          وروى عبد الرزاق، عن ابن عمر أنه كان يدخل السوق، فما يلقى صغيراً ولا كبيراً إلا سلم عليه.
          وكان السلف من المحافظة على بذل السلام، كما ذكر معمر قال: كان الرجلان من أصحاب رسول الله مجتمعين، فتفرق بينهما شجرة، ثم يجتمعان فيسلم أحدهما على الآخر.
          ومما يدل على تأكيد السلام على كل أحد أن الله تعالى قد أمر الداخل بيتا غير مسكون بالسلام عند دخوله.
          وروي عن ابن عباس والنخعي وعلقمة وعطاء وعكرمة وقتادة في قوله تعالى: {إِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ} [النور:61] قالوا: إذا دخلت بيتاً ليس فيه أحد فقال: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فإن الملائكة ترد عليك وهذا المبدل أن الداخل بيتاً مسكوناً أولى بالسلام.
          وروى ابن وهب، عن حفص بن ميسرة، عن زيد بن أسلم أنه ◙ قال: ((إذا دخلتم بيوتكم فسلموا على أهلها، واذكروا اسم الله؛ فإن أحدكم إذا سلم حين يدخل بيته، وذكر اسم الله على طعامه، يقول الشيطان لأصحابه: لا مبيت لكم هاهنا ولا عشاء، وإذا لم يسلم إذا دخل ولم يذكر اسم الله على طعامه قال الشيطان لأصحابه: أدركتم المبيت والعشاء)).
          قال والدي ⌂:
          (كتاب الاستئذان) (باب بدء السلام).
          قوله: (يحيى بن جعفر) البيكندي بكسر الموحدة وإسكان التحتانية وفتح الكاف وسكون النون وبالمهملة و(عبد الرزاق) هو ابن همام اليماني و(معمر) بفتح الميمين ابن راشد ضد الضال و(همام) بتشديد الميم ابن منبه بكسر الموحدة المشددة الصنعاني تقدموا مراراً.
          قوله: (صورته) فإن قلت: ما مرجع الضمير؟ قلت: آدم لأنه أقرب أي خلقه في أول الأمر بشراً سويًّا كامل الخلقة طويلاً ستين ذراعاً كما هو المشاهد بخلاف غيره فإنه يكون أولاً نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم جنيناً ثم طفلاً ثم رجلاً حتى يتم طوله فله أطوار.
          قال ابن بطال: أفاد صلعم بذلك إبطال قول الدهرية أنه لم يكن قط إنسان إلا من نطفة ولا نطفة إلا من إنسان وقول القدرية إن صفات آدم على نوعين ما خلقها الله تعالى وما خلقها آدم بنفسه قال وقيل أنه صلعم مر برجل يضرب عبده في وجهه لطماً فزجره عن ذلك وقال خلق الله آدم على صورته فالهاء كناية عن المضروب وجهه قال وقد يقال هو عائد إلى الله تعالى لكن الصورة هي الهيئة وذلك لا يصح إلى على الأجسام فمعنى الصورة الصفة كما يقال عرفني صورة هذا الأمر أي: صفته يعني خلق آدم على صفته أي: حيا عالما سميعًا بصيراً متكلماً أو هو إضافة تشريفية نحو بيت الله وروح الله لأنه ابتدأها على غير مثال سبق بل بمحض الاختراع فشرفها بالإضافة إليه.
          قوله: (نفر) بفتح الفاء وسكونها عدة رجال من ثلاثة إلى عشرة وهو بالرفع خبر مبتدأ محذوف وبالجر و(على صورة) خبر لكل و(ينقص) أي: طوله قال بعضهم هو في معنى ما قال تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ. ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ} [التين:4-5]، وفيه الإشعار بجواز فناء العالم كله كما جاز فناء بعضه.
          وفيه أن الملائكة في الملأ الأعلى يتكلمون بلسان العرب ويتحيون بتحية الله والأمر بتعلم العلم من أهله.
          قوله: (سعيد بن أبي الحسن) أخو الحسن البصري مر في كتاب البيع و(قال) أي: الحسن لأخيه (اصرف بصرك) عنهن.
          قوله: (قال تعالى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ}) [غافر:19] وهي / [صفة] للنظرة أي يعلم النظرة المسترقة إلى ما لا يحل وأما خائنة الأعين التي حرمتها هي من خصائص النبي صلعم فهي الإشارة بالعين إلى مباح من الضرب ونحوه على خلاف ما يظهره بالقول.
          قوله: (سليمان بن يسار) ضد اليمين و(الفضل) بسكون المعجمة ابن عباس ☻، و(وضيئا) فعيل من الوضاءة وهي الجمال والحسن و(خثعم) بفتح المعجمة والمهملة وإسكان المثلثة بينهما قبيلة و(أخلف) أي مد يده إلى خلفه و(هل يقضي) أي: هل يجزي عنه وحول صلعم وجه الفضل حين علم بإدامته النظر إليها أنه أعجبه حسنها فخشي عليه فتنة الشيطان.
          وفيه حرمة النظر إلى الأجنبيات ومباحثه تقدمت في أول الحج.
          قوله: (أبو عامر) عبد الملك العقدي بفتح المهملة والقاف وبالمهملة و(زهير) مصغر: الزهر ابن محمد التميمي الخراساني و(زيد بن أسلم) بلفظ أفعل التفضيل و(عطاء بن يسار) ضد اليمين.
          قوله: (المجلس) بفتح اللام مصدر و(كف الأذى) من نحو التضييق على المار واحتقارهم به وعيبهم له وامتناع النساء من الخروج إلى أشغالهن بسبب قعودهم في الطريق والاطلاع على أحوال الناس عما يكرهونه.
          قوله: (اسم من أسماء الله تعالى) قال عز وجل: {هُوَ اللهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ} [الحشر:23] و(عمر بن حفص) بالمهملتين و(شقيق) بفتح المعجمة وكسر القاف الأولى.
          قوله: (قبل عباده) أي: قبل السلام على عباده وفي بعضها بكسر القاف وفتح الموحدة؛ أي: من جهة عباده وهو الموافق لما تقدم في كتاب الصلاة في باب التشهد حيث قال: السلام على الله من عباده و(انصرف) أي: من الصلاة و(يتخير) أي يختار والتخير والاختيار بمعنى واحد، وفيه أن الجمع المحلى باللام وإن كان بصيغة جمع القلة مفيد للاستغراق، ومر شرح الحديث في الصلاة.
          قوله: (محمد بن مقاتل) بكسر الفوقانية ضد المصالح و(معمر) بفتح الميمين و(همام بن منبه) بكسر الموحدة و(محمد بن سلام) بتخفيف اللام على الأصح و(مخلد) بفتح الميم واللام وسكون المعجمة بينهما وبالمهملة ابن يزيد بالزاي الحراني بالمهملة وشدة الراء و(ابن جريج) بضم الجيم الأولى عبد الملك و(زياد) بكسر الزاي وخفة التحتانية ابن سعد الخراساني ثم المكي و(ثابت) ضد: الزائل مولى عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب و(روح) بفتح الراء وبإهمال الحاء ابن عبادة بضم المهملة وخفة الموحدة.
          قوله: (إبراهيم) هو ابن طهمان بفتح المهملة وإسكان الهاء، وإنما قال بلفظ قال لا بلفظ حدثني ونحوه لأنه سمع منه في مقام المذاكرة لا في مقام التحميل والتحديث و(موسى بن عقبة) بضم المهملة وتسكين القاف وبالموحدة و(صفوان بن سليم) مصغر السلم و(عطاء بن يسار) ضد اليمين، وأما الحكمة فيه فهي أن الصغير ينبغي أن يتواضع مع الكبير ويوقره وكذا سلام القليل على الكثير هو أيضاً من باب التواضع؛ لأن حق الكبير أعظم وأما سلام الراكب على الماشي فلئلا يتكبر بركوبه عليه فأمر بالتواضع له، وأما تسليم الماشي على القاعد فهو من باب الداخل على القوم فيبادر بالسلام استعجالاً لإعلامهم بالسلامة وأمانهم عن شره بالدعاء له وكذلك تسليم الراكب أيضاً على غيره.
          فإن قلت: فالمناسب أن يسلم الكبير على الصغير والكثير على القليل؛ لأن الغالب أن الصغير يخاف من الكبير والقليل من الكثير؟ قلت: حيث كان الغالب في المسلمين من بعضهم من بعض لوحظ جانب التواضع الذي هو لازم السلام / وحيث لم يظهر رجحان أحد الطرفين باستحقاق التواضع له اعتبر الإعلام بالسلامة والدعاء له رجوعاً إلى ما هو الأصل من الكلام ومقتضى اللفظ.
          فإن قلت: إذا كان المشاة كثيراً والقاعدون قليلاً فباعتبار المشي السلام على الماشي وباعتبار القلة على القاعد فهما متعارضان فما حكمه؟ قلت: تساقط الجهتان فحكمه حكم رجلين التقيا معا فأيهما يبدأ بالسلام فهو خير له أو يرجح ظاهر أمن الماشي وكذلك الراكب فإنه يوجب الإيمان لتسلطه وعلوه.
          قوله: (جرير) بفتح الجيم وكسر الراء الأولى ابن عبد الحميد و(سليمان) أبو إسحاق الشيباني بفتح المعجمة وإسكان التحتانية وبالموحدة وبالنون و(أشعث) بفتح الهمزة والمهملة وسكون المعجمة بينهما وبالمثلثة ابن أبي الشعثاء مؤنث الأشعث المذكور و(معاوية بن سويد) مصغر السود ابن مقرن بلفظ فاعل التقرين بالقاف والراء.
          قوله: (نصر الضعيف) فإن قلت: تقدم في الجنائز أن إحدى السبع هي إجابة الداعي، وفي هذا الطريق تركه وذكر النصر بدله فما وجهه؟ قلت: التخصيص بالعدد في الذكر لا ينفي الغير أو أن الضعيف أيضاً داع والنصر إجابة وبالعكس.
          فإن قلت: ذكر ثمة رد السلام وهاهنا إفشاء السلام؟ قلت: هما متلازمان شرعاً.
          و(المياثر) جمع: الميثرة بكسر الميم وسكون التحتانية وبالمثلثة والراء، ما كانت تصنعه النساء لبعولتهن مثل القطايف و(القسي) منسوب إلى قس بفتح القاف وشدة المهملة ثوب مضلع بالحرير.
          قوله: (يزيد) من الزيادة ابن أبي حبيب ضد العدو و(أبو الخير) ضد الشر مرثد بفتح الميم والمثلثة وإسكان الراء وبالمهملة و(أي الإسلام) أي: أعمال الإسلام مر في كتاب الإيمان و(عطاء بن يزيد) بالزاي الليثي مرادف الأسد مرادف الأسدي و(أبو أيوب) اسمه خالد الأنصاري و(ثلاث) أي: ثلاث ليالي و(صد عنه) يصد صدوداً؛ أي: أعرض وصده عن الأمر صدًّا؛ أي: منعه وصرفه عنه مر الحديث في كتاب الأدب في باب الهجرة، واعلم أن ابتداء السلام سنة على الكفاية كما أن الجواب فرض على الكفاية.
          وقال الحنفية فرض عين، وأما معناه فقيل هو اسم الله فمعناه اسم الله عليك أي أنت في حفظه وقيل هو بمعنى السلامة أي: السلامة مستعلية عليك ملازمة لك.
          الزركشي:
          (خلق [الله] آدم على صورته) الهاء عائدة على آدم نفسه؛ ليتنزه الباري عن الصورة والتشبيه بشيء، فإن قيل: فما معناه؟ قيل: خلق أولاده أطواراً، كما قال: {مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ} [الحج:2]، وخلق آدم بهيئته تامًّا ستون ذراعاً لا يتغير عن حالة إلى حالة، فالمعنى خلقه على صورته في أول أمره كآخر أمره لم يكن صغيراً فكبر، ويؤيده قوله بعده: ((طوله ستون ذراعاً)) هذا أولى ما قيل فيه.
          وأما ما رواه (م) في الذي رآه يضرب وجه عبده فأظهر ما فيه أن الهاء عائدة على المضروب وجهه؛ أي أن هذه الصورة التي شرفها الله تعالى وخلق عليها آدم وذريته.
          (عجز راحلته) بفتح العين وضم الجيم: مؤخر الشيء، يؤنث ويذكر.
          (إياكم والجلوس) بالنصب على التحذير، انتهى كلام الزركشي.
          أقول:
          قوله: (خلق آدم على صورته) فيه تأويلات قبل خلق آدم على صورة نفسه، وفيه فإن سائر الحيوانات كذلك فهذا أمر مشترك وقيل خلق آدم على صورته عنده فإضافة الصورة إليه بهذا الاعتبار.
          وفيه تعسر لأن الله لا يخلق على مثال، وقيل خلق آدم على صورته التي في الدنيا، وهذا رد لقول من قال: إن الله خلق آدم في الجنة على صورة كذا وصفة كذا ورائحة كذا، فأبطل الله هذا القول وقال / إن الله خلق آدم على صورته أي: على صورة المعروف وأشكل من هذه الرواية قوله ◙: ((إن الله خلق آدم على صورة الرحمن)) فالتصريح بالرحمن يرد ما قدمنا من التأويلات، وقد أنكر ابن قتيبة هذه اللفظة وقال هذه زيادة من قوم حملهم اللجاج على ذلك.
          ويمكن أن يقال أن الله خلق آدم على صورته معناه أي: على ما هي لا أنها كانت أصغر ثم... ولا أنه كان قصيراً ثم طال تدريجاً كباقي ذريته بل خلقه دفعة واحدة على صورة وهيئة واحدة ويؤيده بما في الحديث: طوله ستون ذراعاً في السماء، فيكون إشارة إلى أنه أول ما خلق خلق طوله ستون ذراعاً، لا أنه كان قبل ذلك عشرون أو ثلاثون، ثم طال كباقي ذريته وهذا أحسن من التأويلات السبعة وأوضح وأبين وأمتن.