مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب التسليم والاستئذان ثلاثًا

          ░13▒ باب التسليم والاستئذان ثلاثاً
          فيه حديث أنس أنه ◙ كان إذا سلم سلم ثلاثاً.
          وحديث بشر بن سعيد، عن أبي سعيد الخدري قال: كنت.. الحديث.
          وقال ابن المبارك: إلى آخره وسلف الكلام عليه، وتكراره ◙ الكلمة يحتمل أن يكون تأكيداً، وأن يكون علم أو شك هل فهم عنه، فكرر الثانية فزاد الثالثة؛ لاستحبابه الوتر، وقد سلف.
          وقال المهلب: ذلك للمبالغة في الإفهام والإسماع وقد أورد الله ذلك في القرآن فكرر القصص والأخبار والأوامر، ليفهم عباده أن يتدبر السامع في الثانية والثالثة ما لم يتدبر في الأولى؛ وليرسخ ذلك في قلوبهم، والحفظ: إنما هو بتكرير الدراسة للشيء المرة بعد المرة، وقد كان ◙ يقول الشيء المرة الواحدة، وقول أنس: (كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثاً) يريد: في أكثر أمره، وأخرج الحديث مخرج العموم، والمراد به الخصوص.
          واختلف في قوله ◙: ((الاستئذان ثلاث)):
          فقالت طائفة: معنى قوله: ((فإن أذن له وإلا فليرجع)) إن شاء، وإن شاء زاد على الثلاث لا أنه واجب عليه أن يرجع.
          قال ابن نافع: لا بأس إن عرفت أحداً أن تدعوه أن يخرج إليك، وتنادي به ما بدا لك.
          وروى ابن وهب عن مالك قال: الاستئذان ثلاثاً، لا أحب لأحد أن يزيد عليها، إلا من علم أنه لم يسمع فلا بأس أن يزيد. وظاهر حديث أبي موسى يرده؛ لأن أبا موسى حمله على أنه لا يزاد على الثلاث مرات، وذلك يكفي معناه عن رسول الله ولو كان عند أبي موسى أنه يجوز الزيادة على الثلاثة لكان مخالفاً لمذهب عمر، ولم يحتج أبو موسى أن ينزع بقوله:
          ((الاستئذان ثلاث)) حتى أنكر عليه عمر ترك الزيادة عليها، وزعم قوم من أهل البدع أن طلب عمر أن يأتيه بمن سمع ذلك من رسول الله يدل أن مذهب عمر رد / قبول خبر الواحد العدل، وقد سلف رده.
          وهو خطأ في التأويل وجهل بمذهب عمر وغيره من السلف. وقد جاء في بعض طرق هذا الحديث أن عمر قال لأبي موسى: أما إني لم أتهمك ولكني أردت ألا يتجرأ الناس على الحديث عن رسول الله(1).
          ففيه من الفقه: التثبت في خبر الواحد؛ لما يجوز عليه من السهو وغيره، وحكم عمر في خبر الواحد أشهر من أن يخفى؛ قد قبل خبر الضحاك بن سفيان وحده في ميراث المرأة من دية زوجها، وقبل خبر حمل بن مالك الهلالي الأعرابي في أن دية الجنين غرة عبد أو أمة، وقبل خبر عبد الرحمن بن عوف في الجزية، وفي الطاعون، ولا يشك ذو لب أن أبا موسى أشهر في العدالة من الأعرابي الهذلي، وقد قال في حديث السقيفة: إني قائل مقالة، فمن حفظها ووعاها فليحدث. فكيف يأمر من سمع قوله أن يحدث به، وينهى عن الحديث عن رسول الله ولا يقبل خبر الواحد هذا لا يقوله إلا معاند أو جاهل.
          وفيه: أن العالم المتبحر قد يخفى عليه من العلم من يعلمه من هو دونه، والإحاطة فيه وحده. وقيل(2): إنما رد عليه عمر التحديد ثلاثاً، وأما نفس الاستئذان ففي القرآن.
          قوله: (كأنه مذعور) أي: فجع. وقول أبي سعيد: (وأخبرت عمر أنه ◙ قال ذلك). قال الداودي: روى أبو سعيد حديث الاستئذان عن أبي موسى وهو شهد له عند عمر، قال: ومعناه أنه أدى إلى عمر ما قال أهل المجلس، لم يحدث بعد لمالك عن أبي موسى ثم نسي أسماءهم ويحفظ قول أبي موسى؛ لأنه صاحب القصة، وهذا كله مخالف لما في (خ) من إخباره عمر أنه ◙ قاله.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: فإن قلت: كيف قال عمر لأبي موسى أنت بمن يشهد معك وهو لما ذكر قصة طلوعه المشرفة وغيرها من قصة المتظاهرين على رسول الله صلعم لم يقل له الصحابة ائت من يشهد معك على ذلك؟ قلت: مرتبة عمر أعلى من أبي موسى، وأيضاً قال ذلك حيث هو خليفة ويجوز للخليفة ما لا يجوز لغيره مع أنه قد قال عمر أما إني لم أتهمك.. إلى آخره)).
[2] في المخطوط: ((وقد)) ولعل الصواب ما أثبتناه.