مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب من ألقي له وسادة

          ░38▒ باب من ألقي له الوسادة
          فيه حديث عبد الله بن عمرو، أنه ◙ ذكر له صومي الحديث.
          وحديث يحيى بن جعفر.. إلى آخره.
          و(يحيى) شيخ (خ) هو أبو زكريا، ووالد جعفر أزدي بارقي نجاري بيكندي من أفراده عن الخمسة، مات سنة ثلاث وأربعين ومائتين، روى عن يزيد بن هارون وغيره.
          قال المهلب: فيه: إكرام السلطان والعالم، وإلقاء الوسادة له.
          وفيه: أن السلطان والعالم يزور أصحابه، ويقصدهم في منازلهم، ويعلمهم ما يحتاجون إليه من دينهم.
          وفيه: جواز رد الكرامة على أهلها إذا لم يردها الذي خص بها؛ لأنه ◙ لم يجلس على الوسادة حين ألقيت له وجلس على الأرض.
          وفيه: إيثار التواضع على الترفع، وحمل النفس على التذلل.
          وفيه: أن خدمة السلطان يجب أن يعرف كل واحد منهم بخطئه.
          والمراد بالسر فيما قيل أنه ◙ أسر إليه بأسماء سبعة عشر من المنافقين لم يعلمهم لأحد غيره وكان عمر ☺ إذا مات من يشك فيه رصد حذيفة فإن خرج بجنازته وإلا لم يخرج(1).
          قوله: (أليس فيكم صاحب السواك والوسادة؟) يريد لم يكن له سواهما جهازاً، وأعطاه إياهما رسول الله، وفي غير هذا الموضع زيادة: (صاحب السواد).
          وقال الخطابي: السواد: السرار.
          وهو ما روي عنه أنه ◙ قال له: ((إذنك علي أن ترفع الحجاب، وتسمع لسوادي)) وكان ◙ يختص عبد الله اختصاصاً شديداً، لا يحجبه إذا جاء، ولا يرده إذا سأله.
          قيل: وكان علقمة تابعي الكوفة، وكان مالك يفضله على صاحبه عبد الله وكانت عائشة تفضل الأسود، وكان بعضهم يفضل أبا ميسرة.
          فائدة: من مناقب عمار:
          ما أخرجه ابن سعد عن الحسن قال: قال عمار بن ياسر: قد قاتلت مع رسول الله الإنس والجن، فقيل له: هذا قاتلت الإنس، فكيف قاتلت الجن؟! قال: نزلنا مع رسول الله منزلا فأخذت قربتي ودلوي لأستقي، فقال لي رسول الله: ((أما إنه سيأتيك من يمنعك من الماء)) فلما كنت على رأس البئر، إذا رجل أسود / كأنه مرس فقال: لا والله لا تستقي اليوم منها ذنوباً واحداً، فأخذته وأخذني، فصرعته، ثم أخذت حجراً فكسرت به أنفه ووجهه، ثم ملأت قربتي، فأتيت بها رسول الله فقال: ((هل أتاك على الماء أحد؟)) فقلت: عبد أسود. فقال: ((ما صنعت به؟)) فأخبرته فقال: ((أتدري من هو؟)) قلت: لا. قال: ((ذاك الشيطان يمنعك من الماء))(2).
          قال والدي ⌂:
          (باب الاحتباء) مصدر: احتبى الرجل إذا جمع ظهره وساقيه بعمامته و(القرفصاء) بضم القاف وسكون الراء وفتح الفاء وضمها وبالمهملة ممدوداً ومقصوراً ضرب من القعود وإذا قلت قعد فلان القرفصاء فكأنك قلت قعد قعوداً مخصوصاً وهو أن يجلس على إليته ويلصق فخذيه ببطنه ويحتبي بيديه فيضعهما على ساقيه.
          قوله: (محمد بن أبي غالب) بالمعجمة وكسر اللام القومسي بالقاف مات ببغداد سنة خمسين ومائتين و(إبراهيم بن المنذر) بكسر المعجمة المخففة (الحزامي) بكسر المهملة وبالزاي و(محمد بن فليح) مصغر الفلح بالفاء واللام والمهملة الأسلمي المدني و(فناء الدار) ما امتد من جوانبها.
          قوله: (خباب) بفتح المعجمة وشدة الموحدة الأولى ابن الأرت بفتح الهمزة والراء وتشديد الفوقانية الكوفي و(متوسد) من قولهم وسدته الشيء فتوسده إذا جعله تحت رأسه، مر الحديث في أواسط باب علامات النبوة قال شكونا إلى النبي صلعم وهو متوسد برده في ظل الكعبة فقلنا: ألا تدعو لنا ألا تستنصر لنا، فقال: كان الرجل ممن كان قبلكم تحفر له الأرض فيجعل فيه ويجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين وما يصده عن دينه والله ليتمن هذا الأمر إلى آخر الحديث.
          قوله: (بشر) بالموحدة المكسورة ابن المفضل بفتح المعجمة الشديدة و(الجريري) مصغر الجر بالجيم وبالراء سعيد بن إياس بتخفيف التحتانية و(أبو بكرة) هو نفيع تصغير ضد الضر الثقفي.
          فإن قلت: العقوق كيف يكون في درجة الإشراك وهو كفر؟ قلت: أدخل في سلكه تعظيماً لأمر الوالدين وتغليظاً على العاق أو المراد أن أكبر الكبائر فيما يتعلق بحق الله الإشراك وفيما يتعلق بحق الناس العقوق قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء:23].
          قوله: (مسدد) بفتح الدال المهملة الأولى المشددة و(الزور) هو الباطل ومر تحقيقه في أول كتاب الأدب.
          قوله: (قصد) أي: مقصود والقصد إيثار الشيء والعدل و(أبو عاصم) هو الضحاك و(ابن أبي مليكة) مصغر الملكة عبد الله و(عقبة) بضم المهملة وسكون القاف وبالموحدة ابن الحارث بالمثلثة القرشي المكي.
          قوله: (حتى دخل البيت) تمامه ففرغ الناس من سرعته فخرج عليهم فقال ذكرت شيئاً من تبر عندنا فكرهت أن يحبسني فأمرت بقسمته مر في أواخر كتاب صلاة الجماعة.
          قوله: (قتيبة) مصغر قتبة الرحل و(جرير) بفتح الجيم و(الأعمش) سليمان و(أبو الضحى) بضم المعجمة وفتح المهملة مقصوراً مسلم و(استقبله) بالنصب و(أنسل) بالرفع.
          قوله: (إسحاق) أي: ابن شاهين بالمعجمة وكسر الهاء الواسطي و(خالد) هو ابن عبد الله الطحان و(عمرو بن عون) بفتح المهملة وإسكان الواو وبالنون وخالد الأول هو المذكور آنفاً وخالد الثاني هو ابن مهران بكسر الميم وتسكين الهاء الحذاء و(أبو قلابة) بكسر القاف وخفة اللام وبالموحدة عبد الله بن زيد الجرمي بفتح الجيم وإسكان الراء و(أبو المليح) بفتح الميم وكسر اللام وبالمهملة عامر بن أسامة الهذلي البصري و(زيد) هو والد أبي قلابة و(عبد الله بن عمرو) بن العاص كان يصوم الدهر كله.
          قوله: (يا رسول الله) فإن قلت: كيف مطابقته للسؤال؟ قلت: ثمة محذوف أي: أطيق أكثر من ذلك يا رسول الله أو لا يكفيني ذلك و(شطر) أي نصف وهو منصوب على الاختصاص وكذلك صيام وبالرفع أي: هو صيام وإنما كان هذا أفضل لزيادة المشقة فيه إذ من سرد الصوم صار الإمساك طبيعته فلا يحصل له مقاساة كبيرة منه ومر مراراً.
          قوله: (يزيد) من الزيادة / ابن هارون و(المغيرة) بضم الميم وكسرها باللام ودونها ابن مقسم بكسر الميم وفتح المهملة الضبي و(إبراهيم) أي: النخعي و(علقمة) بفتح المهملة والقاف وسكون اللام ابن قيس النخعي والتنوين في (جليسا) للتعظيم و(السر) هو سر النفاق، وهو أنه صلعم ذكر له أسماء المنافقين وعينهم له وخصصه بهذه المنقبة إذ لم يطلع عليه أحداً غيره و(حذيفة) مصغر الحذفة بالمهملة والمعجمة والفاء ابن اليمان بالتحتانية وخفة الميم و(عمار) بفتح المهملة وشدة الميم وبالراء ابن ياسر ضد العاسر دعا رسول الله صلعم له بأمانه من الشيطان وقال إنه طيب مطيب.
          و(عبد الله بن مسعود) هو كان صاحب سواك رسول الله صلعم ومطهرته ووسادته والمشهور بدل الوسادة السواد بكسر المهملة أي: السرار أي: المسارة، مر الحديث في كتاب المناقب وكان أبو الدرداء يقرأ والذكر والأنثى بدون وما خلق وأهل الشام كانوا يناظرونه على القراءة المشهورة المتواترة وهي وما خلق الذكر والأنثى ويشككونه في قراءته الشاذة وكان ابن مسعود موافقاً لأبي الدرداء فيها.
          فإن قلت: ما وجه تعلق باب السرير والوسادة ونحوه بكتاب الاستئذان؟ قلت: لما كان المراد منه الاستئذان في دخول المنزل ذكر على سبيل التبعية ما يتعلق بالمنزل ويلابسه ملابسة.
          الزركشي:
          (القرفصاء) إن كسرت القاف والفاء قصرته، وإن ضممتهما مددته، عن الفراء وغيره، وفسره بالاعتماد على عقبيه ومس أليتيه الأرض، وقال أبو عبيد: جلسة المحتبي ويدير ذراعيه ويديه على ساقيه، انتهى كلام الزركشي.
          أقول:
          قوله: (صاحب السر) الذي كان لا يعلمه غيره هو سر النفاق، وهو أنه صلعم ذكر له أسماء سبعة عشر من المنافقين وعينهم له وخصصه بهذه المنقبة ولم يطلع عليه أحد غيره.
          قال ابن عبد البر: وكان عمر بن الخطاب يسأله عن المنافقين وهو معروف في الصحابة بصاحب سر رسول الله صلعم وكان عمر بن الخطاب ينظر إليه عند موت من مات منهم، فإن لم يشهد جنازته حذيفة لم يشهدها عمر وكان حذيفة يقول: خيرني رسول الله صلعم بين الهجرة والنصرة فاخترت النصرة وهو حليف للأنصار لبني عبد الأشهل.
          أقول: في الحديث إشكالات الأول: أنه ما الحكمة في تخصيص حذيفة بهذا السر دون غيره؟ قلت: لعل النبي صلعم علم منه شيئاً يليق به ذلك دون غيره، الثاني: ما الحكمة في إسرار أمر نفاق هؤلاء المنافقين دون غيرهم وكان الظاهر أن يظهر نفاقهم ليحترز المسلمون منهم؟ قلت: كان من أمر رسول الله صلعم على الحلم والعفو والصفح وستر القبائح ألا ترى ما كان يفعله أبي ومع ذلك كان ◙ يصفح عنه ويحلم عليه وبعد ذلك كله صلى عليه وألبسه قميصه، وهذا عامة ما يكون من الحلم والإحسان اللائق بحضرته الشريفة وأخلاقه العظيمة المنيفة.
          فإن قلت: ما الحكمة في تخصيص عدد سبعة عشر دون غيرهم؟ قلت: لعل نفاق هؤلاء وأذاهم كان أشد وأكبر من غيرهم.
          فإن قلت: ما الحكمة في أنه ما كان يصلي عليهم وكان عمر ينظر إليه هل صلى عليه أم لا، وهذا إنما يظهر أن الميت منافق فحينئذ لم يكن حافظاً للسر؟ قلت: السر إنما يكون سراً إذا كان المسر والمسر ميتين فأما إذا ماتا أو مات أحدهما فحينئذ يجوز إظهاره، وكأنه يخرج بالموت عن كونه سراً.
          فإن معنى السر الإخفاء عن من فيه تلك الخصلة أو الرذيلة، فإذا مات ذو الخصلة فيجوز إظهاره وكذلك في المسر ألا ترى أن فاطمة حين أسر إليها ◙ في مرضه فبكت ثم أسر إليها فضحكت فقالت لها عائشة ما قال لك؟ فلم تعلمها فلما توفي رسول الله أعلمتها بما قال لها أولاً وثانياً بقرب موته وأنها أسرع الناس لحوقاً به(3) وقالت لعائشة: ما كنت لأفشي سر رسول الله، وأيضاً سبق أن عمر سأل الصحابة عن الفتنة فقال حذيفة: أنا أحفظ فسأله الحديث بطوله فقال أسألك عن الفتنة التي تموج إلى آخره.
          فهذا يدل على أن حذيفة كان يعرف سرًّا غير سر المنافقين ولم يذكر في منقبته إلا أنه كان يعرف سر المنافقين؟ قلت: لا محذور فإن ذكر شيء وتخصيصه به لا ينفي ما عداه، فإنه كان يعرف وحده سر المنافقين / لا سر المنافقين وحده بدليل قصة قتل عمر ☺.
          وفيه إشكال آخر وهو أن حذيفة يقول خيرني رسول الله صلعم بين الهجرة والنصرة فاخترت النصرة وهو حليف للأنصار لبني عبد الأشهل، ووجه الإشكال أنه إذا كان أنصاريًّا كيف يخير بين ما حاصل له وهو النصرة له وبين غيره وهو الهجرة؟ قلت: التخيير ليس بين أن يكون مهاجراً أو أنصارياً، بل التخيير بين الثوابين يعني ثواب الهجرة أو النصرة والله أعلم.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: فإن قلت: المنافقين كانوا في زمنه ◙ كثيرين فما فائدة تخصيص سبعة عشر؟ قلت والله أعلم ورسوله: أن هؤلاء كان مقامهم أعظم من غيرهم وأذاهم أكبر.
أقول: فإن قلت: ففي عدم خروجه لجنازته إظهار لسر رسول الله صلعم الذي أسره إليه؟ قلت: السر يكون في حياة المسر والمسر فإما عند موتهما فلا... ألا ترى أن فاطمة قالت في قصة ضحكها وبكائها مع النبي ما كنت لأفشي سر رسول الله)).
[2] في هامش المخطوط: ((أقول: ويمكن أن سبب إعاذة النبي ◙ إياه من الشيطان قصته مع هذا الشيطان الأسود.
أقول: وذلك أنه لم يحضر بدرا أحد أبواه مؤمنان إلا عمار بن ياسر)).
[3] في هامش المخطوط: ((سيدة نساء المؤمنين)) ولم يصحح عليها.