مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب لا يتناجى اثنان دون الثالث

          ░45▒ باب لا يتناجى اثنان دون الثالث
          قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ} الآية [المجادلة:9].
          فيه حديث عبد الله أنه ◙ قال: ((إذا كانوا ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث)).
          أي: لا يتسار اثنان ويتركا صاحبهما؛ خشية الإيحاش له فيظن به أنهما يتكلمان فيه أو يتجنبان جهته فيحزنه ذلك.
          وقد جاء هذا المعنى بيناً في رواية معمر، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعاً: ((إذا كانوا ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث إلا بإذنه؛ فإن ذلك يحزنه)). ويشهد له قوله تعالى: {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا} [المجادلة:10] الآية.
          وقد جاء التغليظ في مناجاة الاثنين دون صاحبهما في السفر، وأن ذلك لا يحل لهما، من حديث ابن لهيعة بسنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه ◙ قال: ((لا يحل لثلاثة نفر يكونون بأرض فلاة، أن يتناجى اثنان منهما دون صاحبه؛ فيحزنه ذلك)) والله / أعلم في الفلاة من أجل أن الخوف فيها أغلب على المرء، والوحشة إليه أسرع، ولذلك نهى الشارع أن يسافر الواحد والاثنان.
          قال النووي: ونهي [عن] تناجي اثنين دون ثالث، وكذا ثالث وأكثر بحضرة واحد تحريم، فيحرم على الجماعة المناجاة دون واحد منهم، إلا أن يأذن، قال: ومذهب مالك وأصحابنا وجماهير العلماء، أن النهي عام في كل الأزمان وفي السفر والحضر، وقال بعضهم: هو في السفر خاصة، وادعى بعضهم نسخه، وأنه كان في أول الإسلام فلما فشا الإسلام وأنس الناس سقط النهي، وكان المنافقون يفعلون ذلك بحضرة المؤمنين ليحزنوهم، أما إذا كانوا أربعة فتناجى اثنان دون اثنين فلا بأس، بالإجماع.
          واختلف أهل التأويل فيمن نزلت آية {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ} [المجادلة:10] فقال ابن زيد: في المؤمنين، كان الرجل يأتي رسول الله يسأله الحاجة، فيرى الناس أنه ناجى رسول الله وكان ◙ لا يمنع أحداً من ذلك، وكانت الأرض يومئذ حزناً، وكان الشيطان يأتي القوم فيقول لهم: إنما يتناجون في جموع قد جمعت لكم فنزلت.
          وقال قتادة: نزلت في المنافقين، كان بعضهم يناجي بعضاً وكان ذلك يغيظ المؤمنين، ويحزنهم، فنزلت: {وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا} [المجادلة:10] أي: ليس التناجي بضارهم أذى الشيطان.
          وقال ابن زيد: نزلت؛ لئلا يناجي أهل الباطل رسول الله، فيشق ذلك على أهل الحق فلما ثقل ذلك على المؤمنين خففه الله عليهم ونسخه، واعترض ابن التين فقال: وقع في التبويب: {إِذَا تَنَاجَيْتُمْ} [المجادلة:9] والتلاوة بحذف الواو، والذي قدمته لك هو ما في الأصول.
          قوله: {فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} [المجادلة:12] قال علي: ما عمل بهذا أحد غيري، تصدقت بدينار، وناجيت رسول الله ثم نسخت.
          قال قتادة: ما أقامت إلا ساعة من نهار، وقال علي: قال لي رسول الله: ((أترى أن يكون دينارا))؟ قلت: لا، قال: ((فكم))؟ قلت: حبة شعير، قال: ((إنك لزهيد)) فأنزل الله تعالى: {أَأَشْفَقْتُمْ} [المجادلة:13] الآية فخفف الله عن هذه الأمة.