مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب من ناجى بين يدي الناس ومن لم يخبر بسر صاحبه

          ░43▒ باب من ناجى بين يدي الناس، ومن لم يخبر بسر صاحبه، فإذا مات أخبر به
          فيه حديث عائشة في إسرا[ر]ه لفاطمة.
          وفيه: ما ترجم له وجواز مسارة الواحد بحضرة الجماعة، وليس ذلك من نهيه عن مناجاة الاثنين دون الواحد؛ لأن المعنى الذي يخاف من ترك الواحد لا يخاف في ترك الجماعة، وذلك أن الواحد إذا تساروا دونه وقع بنفسه أنهما يتكلمان فيه بالسوء، ولا يتفق ذلك في الجماعة، وهذا من حسن الأدب وكرم المعاشرة.
          وفيه: أنه لا ينبغي إفشاء السر إذا كان فيه مضرة على المسر؛ لأن فاطمة لو أخبرت بذلك في ذلك الوقت لما أخبرها به من قرب أجله؛ لحزن بذلك حزناً شديداً، وكذلك لو أخبرتهن بأنها سيدة نساء المؤمنين لعظم ذلك عليهن واشتد حزنهن، فلما أمنت بعد موته أخبرت بذلك. وفيه اجتماع أزواجه في بيت واحد في مرضه.
          ومعنى: (لم تغادر منها واحدة): لم تترك أن يحضر. وفيه العزم بغير الله، قال في ((المدونة)): إذا قال: أعزم عليك بالله إلا ما أكلت، فلم يأكل، لا حنث على واحد منهما بمنزلة: أسألك بالله، فإن قال: أعزم بالله إن فعلت، أرى ذلك لا شك في كونه يميناً.
          قال ابن حبيب: وينبغي له ألا يحنثه في: أعزم عليك بالله إلا ما فعلت ما لم تكن معصية، وهو من باب قوله تعالى: {وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ} [النساء:1]. قال: يريد أن يسأل بالله وبالرحم(1)، فإن لم يفعل فلا كفارة على واحد منهما.
          وقولها: (لما أخبرتني) يحتمل أن تكون اللام بمعنى إلا وما زائدة، هذا مذهب الكوفيين، ويحتمل أن تكون ما مشددة بمعنى (إلا)، ذكره سيبويه، وأنكره الجوهري.
          قوله: (ألا ترضين..) إلى آخره، فيه فضل فاطمة على عائشة، وقيل: ما رأيت فاطمة بعد رسول الله حتى ماتت إلا حين أريت النعش كيف ينصب عليها فتبسمت وقالت: لم أراها ذلك سترتني سترك الله. وماتت بعد رسول الله بستة أشهر وقيل: ثلاثة قال مالك: والأول أثبت، ودفنت ليلاً وصلى عليها العباس.


[1] في المخطوط: ((وبالرحمن)) ولعل الصواب ما أثبتناه.