مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب التسليم في مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين

          ░20▒ باب التسليم في مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين
          فيه حديث أسامة أنه ◙ ركب حماراً عليه إكاف تحته قطيفة.. فذكر الحديث بطوله.
          وفيه: فسلم عليهم رسول الله صلعم.
          وفيه: الإبانة أنه لا حرج على المرء في جلوسه مع قوم فيه منافق أو كافر، وذلك أنه ◙ سلم على القوم الذين فيهم عبد الله بن أبي ولم يمتنع من ذلك لمكان عبد الله مع نفاقه وعداوته للإسلام وأهله، إذ كان فيهم من أهل الإيمان جماعة.
          وقد روي عن الحسن البصري أنه قال: إذا مررت بمجلس فيه مسلمون وكفار فسلم عليهم وذلك خلاف ما يقوله بعضهم أنه غير جائز على من كان عن سبيل الحق منحرفاً إما لبدعة أو ضلالة من الأهواء الردية، أو لملة من ملل الكفار دان بها، وتكليمه غير سائغ، وذلك أنه لا ضلالة أشنع ولا بدعة أخبث ولا كفر أرجس من النفاق ولم يكن في نفاق عبد الله بن أبي يوم هذه القصة شك.
          فإن قلت: إنه ◙ إنما سلم عليه يومئذ ونزل إليه ليدعوه إلى الله وذلك فرض عليه. قيل: لم يكن نزوله ◙ ليدعوه؛ لأنه قد تقدم الدعاء منه لعبد الله بن أبي ولجماعة المنافقين في أول الإسلام فكيف يدعى إلى ما يظهره، وإنما نزل ◙ هناك استئلافاً لهم ورفقاً بهم رجاء رجوعهم إلى الحق.
          وقد كان ◙ يستألف بالمال فضلاً عن التحية، والكلمة الطيبة من استئلافه أنه كناه عند سعد بن عبادة فقال له سعد: (اعف عنه) كل هذا رجاء أن يراجع الإسلام.
          وقد أجاز مالك تكنية اليهودي والنصراني، وروي عن السلف أنهم كانوا يسلمون على أهل [الكتاب] كما سلف قريباً.
          وكان ابن محيريز يمر على السامرة فيسلم عليهم، وقال قتادة: إذا دخلت بيوت أهل الكتاب فقل: السلام على من اتبع الهدى.
          فإن قلت: فحديث أبي هريرة قال رسول الله: ((لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام)) أخرجه (م) منفرداً به؟
          قلت: كلاهما صحيح فهذا عام والأول خاص؛ لأن فيه أنه ◙ لما رأى عبد الله بن أبي وحوله رجال من قومه، تذمذم أن يجاور، فنزل فسلم، فكان نزوله إليه قضاء ذمام، فالأول لغير سبب يدعوكم إلى أن تبدءوهم من قضاء ذمام أو حاجة تعرض لكم قبلهم، أو حق صحبة في جوار أو سفر.
          وفيه كما قال المهلب: عيادة المريض على بعد والركوب إليه، وركوب الحمر للأشراف والارتداف.
          ومعنى: (خمر عبد الله أنفه): غطاه، وكل مغطى عند العرب فهو مخمر، و(البحرة): القرية، وكل قرية لها نهر ماء جار أو نافع فإن العرب تسميها بحراً، وقيل في قوله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [الروم:41]: إنه عني بالبحر الأمصار التي فيها أنهار ماء، والعرب تقول: هذه بحرتنا؛ أي: بلدتنا.
          و(يعصبوه) أي: يسودوه، والسيد المطاع يقال له: المعصب؛ لأن يعصب الأمور برأسه، والتاج عندهم للملك، والعصابة للسيد المطاع. ومعنى (شرق بذلك): غص به، يقال: غص الرجل بالطعام، وشرق بالماء، وشجى بالعظم.
          وفيه / دليل: أنه ◙ كان يقدر في ذلك الوقت على معاقبة ابن أبي، ومعاقبة من يؤذيه من الأنصار بمدينتهم وموضع سلطانهم.
          قوله: (عبد الله بن أبي ابن سلول) وسلول: قبيلة من هوازن، وهو اسم أمهم كما ذكره الجوهري فعلى هذا لا ينصرف.