مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب قول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتًا}

          ░2▒ باب قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ} [النور:27]
          وقال سعيد بن أبي الحسن للحسن: إن نساء العجم... الحديث.
          ثم ساق حديث ابن عباس في نظر الفضل أخيه إلى تلك المرأة.. الحديث.
          وحديث أبي عامر واسمه عبد الملك بن عمرو بن قيس العقدي إلى أبي سعيد الخدري أن النبي صلعم قال: ((إياكم والجلوس...)) الحديث.
          قال ابن عباس: إنما هو حتى تستأذنوا وكذا قال قتادة ومجاهد وإبراهيم.
          وقال سعيد بن جبير: الاستئناس: الاستئذان، وهو فيما أحسب من خطأ الكاتب.
          هو بقول سعيد بن جبير أشبه منه بقول ابن عباس؛ لأن هذا مما لا يجوز أن يقوله أحد؛ إذ كان القرآن محفوظاً، قد حفظه الله من أن يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه.
          وقد روي عن مجاهد أن الاستئناس: التنحنح والتنخم إذا أراد أن يدخل. وروى ابن وهب، عن مالك أنه الجلوس، قال تعالى: {وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ} [الأحزاب:53] وقال عمر حين دخل على رسول الله في حديث المشربة: أستأنس يا رسول الله؟ قال: ((نعم)). فجلس عمر.
          قال إسماعيل: / وأحسب معنى الاستئناس والله أعلم إنما هو أن يستأنس بأن الذي يدخل لا يكره دخوله؛ يدل على ذلك قول عمر السالف، فدل قوله على أنه أحب أن يعلم أنه ◙ لا يكره جلوسه.
          وهذا مما يضعف ما روي عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن عمر.
          قلت: والاستئناس في اللغة: الإعلام، ومنه: {فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا} [النساء:6].
          قال المهلب: ومعنى الاستئذان: هو خوف أن يفجأ الرجل أهل البيت على عورة فينظر ما لا يحل له؛ يدل عليه قوله ◙: ((إنما جعل الاستئذان من أجل البصر)).
          وقال الطحاوي: الاستئناس: الاستئذان(1)، في لغة أهل اليمن، وهو موجود فيها إلى الآن.
          قال القزاز: تقول العرب: استأنس، فانظر هل في الدار من أحد، بمعنى: استأذن به.
          وقام الإجماع على مشروعية الاستئذان، والسنة أن يسلم ويستأذن ثلاثاً؛ ليجمع بين السلام والاستئذان، كما هو مصرح به في القرآن العظيم.
          واختلف: هل يستحب تقديم السلام ثم الاستئذان، أو عكسه؟ والصحيح الأول، وبه قال المحققون، وبه جاءت السنة، فيقول: السلام عليكم أأدخل؟
          واختار الماوردي وجهاً ثالثاً أنه إن وقعت عين المستأذن على صاحب البيت قبل دخوله، قدم السلام، وإلا قدم الاستئذان.
          وصح عن رسول الله حديثان في تقديم السلام.
          وإذا استأذن ثلاثاً فلم يؤذن له، فظن أنه لم يسمعه ففيه ثلاثة مذاهب:
          أظهرها: أنه ينصرف ولا يعيد الاستئذان.
          و2- يزيد فيه.
          و3- إن كان بلفظ الاستئذان المتقدم لم يعده وإن كان بغيره أعاده.
          وقول أبي بن كعب: والله لا يقوم معك إلا أصغر القوم. معناه: أن هذا حديث مشهور بيننا، معروف لكبارنا وصغارنا، وقد تعلق به من يقول: لا يحتج بخبر الواحد وأن عمر رد حديث أبي موسى هذا؛ لكونه خبر واحد، وهو باطل، والإجماع يرده ممن يعتد به فيه، ودلائله من فعل الشارع والخلفاء الراشدين وسائر الصحابة ومن بعدهم، وقول عمر لأبي موسى: أقم البينة. ليس معناه رد خبر الواحد من حديث هو خبر واحد، ولكن خاف من مسارعة الناس إلى التقول على رسول الله ما لم يقل من بعض المبتدعة أو الكذابين، فيقع كل من وقعت له قصة حديثاً فيها، فأراد سد الباب خوفاً من غير أبي موسى لا يكافئ روايته، فإنه كان عند عمر أجل من أن يظن به أنه يحدث عن رسول الله ما لم يقل، وإنما أراد زجر غيره.
          ومما يدل على أن عمر لم يرد خبره؛ لكونه خبر واحد أنه طلب منه إخبار رجل آخر حتى يعلم الحديث، ومعلوم أن خبر الاثنين خبر واحد، يوضحه ما في (م) أن أبيًّا لما شهد لأبي موسى قال: يا ابن الخطاب لا تكن عذاباً على أصحاب رسول الله فقال: سبحان الله أنا سمعت شيئاً فأحببت أن أتثبت. وأما رواية: أقم البينة وإلا أوجعتك. وفي أخرى والله لأوجعن ظهرك وبطنك أو لتأتيني بمن يشهد.
          وفي أخرى: لأجعلنك نكالاً فكلها محمولة على أن التقدير: لأفعلن بك هذا الوعيد إن بان أنك تعمدت كذباً، وقد سلف طرف منه في البيوع.
          قوله: {حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ} [النور:28] أي: يأذن لكم أهلها بالدخول؛ لأنه لا ينبغي أن يدخل منزل غيره وإن علم أنه ليس فيه أحد حتى يأذن له صاحبه.
          قوله: {أَن تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ} [النور:29] قال مجاهد: كانت بيوتاً في طريق المدينة يجعلون فيها أمتعتهم، وقيل: هي الخانات.
          وقال عطاء: (فيها متاع لكم): للخلاء والبول.
          وسعيد بن أبي الحسن هذا هو: أخو الحسن البصري، تابعي ثقة، قال (خ): مات قبل الحسن.
          قوله: (من أبصارهم) (من) هنا؛ لبيان الجنس، وقد جاء في نظر الفجأة الأمر بصرف البصر.
          ولا شك في أن غض البصر به للآيتين المذكورتين في الباب؛ ألا ترى صرف النبي صلعم لوجه الفضل عن المرأة، ونهيه ◙ عن الجلوس في الطرقات إلا أن يغض البصر، وإنما أمر الله بغض الأبصار عما لا يحل؛ لئلا يكون البصر ذريعة إلى الفتنة، فإذا أمنت فالنظر مباح؛ ألا ترى أنه ◙ / حول وجه الفضل حين علم بإدامته النظر إليها أنه أعجبه حسنها، فخشي عليه الشيطان.
          وما ذكره في خائنة الأعين: قال ابن عباس: هو الرجل ينظر إلى المرأة، فإذا نظر إليه أصحابه غض بصره. وقد علم الله سبحانه أن يرده لو نظر إلى عورتها.
          وفيه مغالبة طباع البشر لابن آدم، وضعفه فيما ركب فيه من الميل إلى النساء، والإعجاب بهن، وفيه دليل أن نساء المؤمنين ليس لزوم الحجاب لهن فرضاً في كل حال كلزومه لأمهات المؤمنين، ولو لزم جميع النساء فرضاً لأمر الشارع الخثعمية بالاستتار، ولما صرف وجه الفضل عن وجهها، بل كان أمره بصرف بصره ويعلمه أن ذلك فرضه؛ فصرف وجهه وقت خوف الفتنة وتركه قبل ذلك الوقت.
          وهذا الحديث يدل أن ستر المؤمنات وجوههن عن غير محارمهن سنة؛ لإجماعهم أن للمرأة أن تبدي وجهها في الصلاة، وأن قوله تعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور:30] على الفرض في غير الوجه.
          وأن غض الفرج عن جميع المحرمات، وكل ما يخشى منه الفتنة واجب.
          وقد قال ◙: ((لا تتبع النظرة النظرة؛ فإنما لك الأولى وليست لك الثانية)) وهذا معنى دخول (من) في قوله تعالى: {مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور:34]: لأن النظرة الأولى لا تملك، فوجب التبعيض لذلك، ولم يقل ذلك في الفروج؛ لأنها لا تملك.
          وإردافه الفضل على عجز راحلته ظاهر في جواز الإرداف، وقد مر. وعجز بفتح أوله وضم ثانيه أي: آخرها.
          قوله: وضيئاً؛ أي: حسنا نظيفا، أصله: وضوء مثل كرم.
          (فأخلف يده فأخذ بذقن الفضل) أي: أدارها من خلفه، يقال: أخلف الرجل بيده إلى سيفه: مدها إليه؛ ليأخذه عند حاجته إليه، وقال هنا: (والفضل ينظر إليها)، وفي ((الموطأ)): وتنظر هي إليه.
          والذقن: بفتح الذال والقاف مجتمع اللحيين، قيل: وكان الفضل حينئذ صبيًّا.
          وغلط؛ لقوله: وكان رجلاً وضيئاً، وليس صريحاً فيه.
          فإن قلت: سماه بما يئول أمره قيل: الظاهر منه أنه وصف حاله حينئذ، وأيضاً فإنه كان أكبر من أخيه عبد الله، وكان عبد الله في حجة الوداع ناهز الاحتلام(2).
          قوله: (الطرقات) هي جمع طرق، وطرق جمع طريق.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: هذا ينافي قول عمر استأنس وإنما قاله بعد أن دخل إلى رسول الله وكلمه ثم قال له استأنس)).
[2] في هامش المخطوط: ((أقول: قد يطلق به الرجل ويراد به مقابل الأنثى وهو يقع على الصغير والكبير)).