مقاصد التنقيح إلى شرح الصحيح

باب قول الله تعالى: {بل هو قرآن مجيد فى لوح محفوظ}

          ░55▒ (بَاب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ. فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ} [البروج:21-22])
          أي: ليس الأمر كما زعم الكفَّار مِن أنَّ القرآن سحرٌ وكهانةٌ وأساطيرٌ، بل هو قرآن عالي القدر عند الله، شريف المنزلة، وهو مثبتٌ عنده في لوحٍ محفوظٍ، وقد حفظه الله أن يمسَّه إلَّا المطهَّرون، أخبر بأنَّ القرآن منزلٌ مِنَ الله تعالى، منتقلٌ مِنَ اللَّوح المحفوظ الذي هو كتابه ╡ في سمائه لا تطَّلع عليه إلَّا الملائكة الذين وكَّلهم الله بحفظه، ولذلك وُصِف بالمحفوظ، وقيل: لأنَّه محفوظٌ عن التغيير(1) والتبدُّل، وهو المقروء بالألسنة، المكتوب في المصاحف، المحفوظ في القلوب.
          قوله تعالى: ({وَالطُّورِ}) سبق تفسيره في سورته مِن (كتاب التفسير).
          قوله: ({يَسْطُرُونَ})؛ أي: في قوله تعالى: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} [القلم:1]، قيل: «النون» لوحٌ مِن نورٍ، {وَالْقَلَمِ} هو الذي خلقه الله تعالى فجرى في اللَّوح المحفوظ بكتابة(2) جميع ما هو كائنٌ إلى يوم القيامة، وقيل: «النون» الدواة أقسم الله بها وبالقلم.
          وقوله: {وَمَا يَسْطُرُونَ}؛ أي: وما يكتبه الملائكة على اللَّوح المحفوظ / والمراد: ما سطروا، وقيل: ما تكتبه الحفظة مِن أعمال بني آدم، وقيل: {مَا يَسْطُرُونَ} ما يوحي الله إلى الملائكة ما يأمرهم بكتابته فيكتبونه، و(السطر) الكتابة.
          قوله: ({فِي أُمِّ الكِتَابِ})؛ أي: في قوله تعالى: {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} [الزخرف:4]؛ أي: إنَّ القرآن في اللَّوح المحفوظ، وهو أصل الكتاب منه(3) كلُّ شيءٍ، وأمُّ كلِّ شيءٍ أصله، وقوله: {لَدَيْنَا}؛ أي: عندنا؛ يعني: أنَّ القرآن مثبتٌ عند الله في اللَّوح المحفوظ، رفيع المنزلة، عظيم الشرف، محكمٌ لا تناقض فيه ولا باطل.
          قوله: ({مَا يَلْفِظُ})؛ أي: في قوله تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18] ومضى تفسيره في (سورة ق) مِن (كتاب التفسير).
          قوله: ({يُحَرِّفُونَ})؛ أي: في قوله تعالى: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ} [النساء:46]؛ أي: يبدِّلونه لتبديل معناه، ويؤوِّلونه على غير ما أريد به لموافقة مرادهم.
          قوله: (دِرَاسَتُهُمْ)؛ أي: في قوله تعالى: {وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ} [الأنعام:155]؛ أي: كثير الخير والبركة، {فَاتَّبِعُوهُ} [الأنعام:155]؛ أي: اعملوا به، {وَاتَّقُواْ} [الأنعام:155] عقاب الله في تركه، {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأنعام:155]؛ أي: لكي ترحموا، {أَن تَقُولُواْ} [الأنعام:156]؛ أي: لئلَّا تقولوا، {إِنَّمَا أُنزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا} [الأنعام:156]؛ أي: أنزلنا القرآن؛ لئلَّا يقولوا: يا أهل مكَّة _في القيامة_ إنَّما أنزل الله الكتاب على اليهود والنصارى ولم ينزل علينا كتاب، فيحتجُّون بذلك في ترك الإيمان، {وَإِن كُنَّا}؛ أي: وإنَّ الأمر والشأن كنَّا عن تلاوتهم غافلين، فخفَّف {إِن} وحذف الاسم، والمعنى: لم نعرف ما أنزل عليهم وما كانوا يدرسونه؛ لأنَّه لم يكن بلغتنا فلنا(4) العذر في ترك الإيمان، فقطع الله عذرهم بإنزال القرآن لئلَّا يمكنهم الاحتجاج بذلك في القيامة.
          قوله: ({وَاعِيَةٌ})؛ أي: في قوله تعالى: {لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} [الحاقة:12]؛ أي: لنجعل سفينة نوحٍ وقصَّتها تذكرةً وموعظةً لهذه الأمَّة؛ لأنَّها بقيت ألواحها دهرًا طويلًا.
          وقوله: ({وَتَعِيَهَا} [الحاقة:12])؛ أي: وليحفظها كلُّ أذنٍ حافظة؛ أي: أحوالها، قال قتادة: الأذن الواعية؛ أذنٌ عقلت عن الله وانتفعت بما سمعت مِن كتاب الله.
          قوله تعالى: ({وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ} [الأنعام:19])؛ أي: لأخوِّفكم بالقرآن عذاب الله إن لم تؤمنوا يا أهل مكَّة.
          ({وَمَن بَلَغَ} [الأنعام:19])؛ أي: ولأنذر مَن بلغه القرآن، وموضع {مَن} نصبٌ(5) على ضمير المخاطبين؛ لأنَّ مَن بلغه القرآن فقد أنذره محمَّد صلعم مِن زمانه إلى يوم القيامة.


[1] في (غ): (التغير).
[2] في (أ): (بكابة).
[3] في (غ): (فيه).
[4] في (أ): (قلنا).
[5] زيد في (غ): (عطف).