مقاصد التنقيح إلى شرح الصحيح

باب قول الله تعالى: {السلام المؤمن}

          ░5▒ (بَابُ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ} [الحشر:23])
          السلام مصدرٌ نُعِت به، والمعنى: ذو السلامة مِن غير آفةٍ ونقيصةٍ(1) ؛ أي: الذي سلم ذاته عن الحدوث والعيب، وصفاته عن النقص، وأفعاله عن الشرِّ المحض، فإنَّ ما تراه مِنَ الشرور معصية(2) لا؛ لأنَّها كذلك، بل لِما تضمَّنه(3) مِنَ الخير الغالب الذي يؤدِّي تركه إلى شرٍّ عظيمٍ، فالمقتضى(4) والمفعول بالذات هو الخير، والشرُّ داخل تحت القضاء، وقيل معناه: مالك تسليم العباد مِنَ المخاوف والمهالك، وقيل: ذو السلام على المؤمنين في الجنان؛ كما قال تعالى: {سَلَامٌ قَوْلًا مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ} [يس:58] ووظيفة العارف أن يتحقَّق به؛ بحيث يسلم قلبه عن الحقد والحسد وإرادة الشرِّ وقصد الخيانة، وجوارحه عن ارتكاب المحظورات واقتراف(5) الآثام، ويكون سلمًا لأهل الإسلام، ساعيًا في ذبِّ المضارِّ ودفع المعاطب عنهم، ومسلمًا على كلِّ مَن يراه، عرفه أو لم يعرفه، قال بعضهم: السليم مِنَ العباد مَن سَلِمَ عن المخالفات سرًّا وعلنًا، وبرئ مِنَ العيوب ظاهرًا وباطنًا، قال القشيريُّ: ومِن آداب مَن تحقَّق بهذا الاسم أن يعود إلى مولاه بقلبٍ سليمٍ، و(القلب السليم) هو الخالص مِنَ الغلِّ والحقد والحسد، فلا يضمر للمسلمين إلَّا كلَّ خيرٍ ونُصحٍ، فيحسن الظنَّ بكافَّتهم ويسيء الظنَّ بنفسه، فإذا رأى مَن هو أكبر سنًّا قال: هو خيرٌ منِّي؛ لأنَّه أكثر منِّي طاعةً، وإذا رأى مَن هو دونه في السنِّ قال: إنَّه خيرٌ منِّي؛ لأنَّه أقلُّ منِّي معصية.
          وأمَّا ({الْمُؤْمِنُ}) فهو في الأصل الذي يجعل غيره آمنًا، ويقال للمصدِّق؛ مِن حيث إنَّه جعل المصدِّق آمنًا مِنَ التكذيب والمخالفة، وإطلاقه على الله تعالى باعتبار كلِّ واحدٍ مِنَ المعنيين صحيحٌ، فإنَّه تعالى المصدِّق بأن صدَّق رسله بقوله الصدق، فيكون مرجعه إلى الكلام، أو بخلق المعجزات وإظهارها عليهم، فيكون مِن أسماء الأفعال، وقيل معناه: أنَّه يؤمِّن عباده الأبرار يوم العرض مِنَ الفزع الأكبر إمَّا بقولٍ؛ مثل: {أَلَّا(6) تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت:30] أو بخلق الأمن والطمأنينة فيهم، ووظيفة العارف منه أن يصدِّق الحقَّ ويسعى في تقريره، ويكفَّ نفسه عن الإضرار والحيف، ويكون بحيث يأمن الناس بوائقه، ويعضدون(7) به في دفع المخاوف ورفع المفاسد في أمور الدين والدنيا.
          وفي الباب حديث عبد الله بن مسعودٍ، ومضى بيانه في بابه مِن (كتاب الصلاة).


[1] في (غ): (نقيضة).
[2] في (غ): (مقضية).
[3] في (غ): (يتضمنه).
[4] في (غ): (فالمقضى).
[5] في (غ): (واقتراب).
[6] في (أ) و(غ): (لا).
[7] في (غ): (ويعتضدون).