مقاصد التنقيح إلى شرح الصحيح

باب الجزية والموادعة

           (♫)
          ░░58▒▒ (بَابُ الجِزْيَةِ وَالمُوَادَعَةِ مَعَ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالحَرْبِ)
          قوله(1) تعالى: ({قَاتِلُواْ} [التوبة:29])؛ أي: قاتلوا(2) ؛ أيها المؤمنون القوم الذين لا يصدِّقون بالله ولا باليوم الآخر(3)، والمراد بهم: أهل الكتاب، وإنَّما نفى عنهم الإيمان بالله وباليوم الآخر؛ لأنَّ إيمانهم لا يُعتَدُّ به، وقِيل: لأنَّهم يصِفون الله بما لا يليق به سبحانه، ويَصِفون الجنَّة بغير صفتها، ويزعمون أنَّه لا أكل فيها ولا شرب، ({وَلاَ يُحَرِّمُونَ} [التوبة:29])؛ أي: ولا يحكمون بتحريم ما حرَّمه الله ورسوله مِنَ الخمر والميتة ولحم الخنزير، ({وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ} [التوبة:29])؛ أي: لا يدخلون في دين الإسلام الناسخ للأديان كلِّها، ({مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ} [التوبة:29])؛ أي: مِنَ اليهود والنصارى، و({الكِتَابَ}) هو / التوراة والإنجيل، و({مِنَ}) للبيان، ({حَتَّى يُعْطُواْ} [التوبة:29])؛ أي: حتَّى يؤدُّوا خراج الرأس، و(الجزية) ما يعطيه المعاهَد على عهده، مأخوذةٌ مِن (جزى دَينه) إذا قضاه، وقوله: ({عَن يَدٍ} [التوبة:29])؛ أي: مِن يده إلى يد مَن يدفعه إليه بذلٍّ، ({وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة:29])؛ أي: وهم أذلَّاء يمشون بها خاضعين(4)، ولا يجيئون بها ركبانًا ولا يرسلون بها، وقِيل: يجرون إلى الموضع الذي يُقبَض مِنهم فيه بالعنف حتَّى يؤدُّوها بأيديهم.
          قوله: ({وَالْمَسْكَنَةُ}) هو مِن قوله تعالى(5) : {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ} [البقرة:61] وفسر ههنا لمناسبة المقام، وقِيل: {الذِّلَّةُ} الجزية، و{المَسْكَنَةُ} فقر النفس وإن كان موسرًا.
          قوله: (مَا شَأْنُ أَهْلِ الشَّأْمِ...) إلى آخره، هذا دليلٌ لمذهب الحنفيَّة(6) أنَّ على كلِّ(7) موسرٍ أربعةَ دنانير، وعلى كلِّ متوسِّطٍ ديناران، وعلى كلِّ فقيرٍ دينارٌ، واعلم أنَّ الجزية إنَّما تجب على المكلَّفين الأحرار مِنَ الرجال دون النساء، والصبيان والمجانين والعبيد، وأقلُّ الجزية دينارٌ على كلِّ بالغٍ في سَنَةٍ، ولا يجوز أن ينقص عنه، والغنيُّ وغيره سواءٌ، وإليه ذهب الشافعيُّ، ويجوز للإمام أن يصالحهم على أكثر مِن دينارٍ ويماكسهم فيه، وأن يشترط عليهم ضيافة مَن يمرُّ عليهم مِنَ المسلمين زيادةً على أهل الجزية.


[1] زيد في (ف): (قوله)، وهو تكرار.
[2] في (ف): (قتلوا).
[3] في (ب): (بيوم القيامة)، وفي (ف): (باليوم القيامة).
[4] في (ف): (خاضعون).
[5] زيد في (ف): (هو من قوله تعالى {وَالْمَسْكَنَةُ}).
[6] في (ف): (الحنيفة).
[7] (كل): ليس في (ف).