مقاصد التنقيح إلى شرح الصحيح

كتاب تفسير القرآن

          (♫)
          ░░65▒▒ (كِتَابُ تَفْسِيرِ القُرْآنِ)
          أصل (التَّفسير) الكشفُ والإظهارُ، فكأنَّه كَشْفُ معاني ألفاظ الآية وبيانُ كلماتها والوقوفُ على أسباب نزولها وشأنها، ولا يجوز ذلك إلَّا بالسَّماع، ولا مجالَ للعقل فيه، و(التَّأويل) الرُّجوعُ في إبراز المقصود إلى مراد الآيات ومعنى الكلمات؛ فالتَّفسيرُ ما يتعلَّق بالرِّواية، والتَّأويل ما يتعلَّق بالدِّراية.
          قوله تعالى: ({بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:1]).
          مذهب الشَّافعيِّ: أنَّها آيةٌ مِنَ الفاتحة ومِن كلِّ سورةٍ؛ للآثار الواردة في ذلك، ولإثباتها السلفُ في المصحف مع توصيتهم بتجرُّد القرآن عن غيره، ومبالغتهم فيه، حتَّى لم يكتب (آمين) فلولا أنَّها مِنَ القرآن لَمَا أثبتوها.
          ومذهب أبي حنيفة: أنَّها ليست مِنها ولا مِن غيرها مِنَ السور، وإنَّما كُتِبت للفصل والتبرُّك بالابتداء بها، ولذلك لا يجهرون بها في الصلاة، وقِيل: إنَّها مِنَ القرآن في الفاتحة، لا في أوائل سائر السُّور، وأجمع القرَّاء على قراءتها في أوَّل الفاتحة وأوَّل كلِّ سورةٍ افتتح القارئ بها، فقوله تعالى: {بِسْمِ اللهِ} هو رفع خبرِ مبتدأٍ محذوفٍ أو نصبٌ بفعلٍ مضمَرٍ؛ تقديره: ابتدائي بسم الله، أو ابتدأت ببسم الله، أو بسم الله أبتدئ، وكذا كلُّ فاعلٍ لفعلٍ يبدأ في فعله بالله، فإنَّه يُضمِر ما يجعل التَّسمية مبدأً له، والباءُ للإضافة أو للإلصاق، كأنَّها تلصق كلمةً بكلمةٍ، و(الاسم) مشتقٌّ مِنَ السموِّ بمعنى الرفعة والعلوِّ؛ لأنَّ الاسم يعلو مسمَّاه ويترفَّع عليه، وصار هو تحته، أو لأنَّه يرتفع ويعلو بالمسمَّى، وأصله: (سمو) حُذِفت لامُه تخفيفًا وجيء في أوَّله بالهمزة بعد إسكان السِّين عوضًا عنِ المحذوف، وإنَّما قال: {بِسْمِ اللهِ} ولم يقل: بالله؛ للتبرُّك والاستعانة بذكر اسمه، قال أهل التصوُّف: إنَّما زيد الاسم لاستصفاء القلوب مِنَ العلائق واستخلاص الأسرار مِنَ العوائق ليكون ورود لفظ (الله) على قلبٍ منقَّى مِنَ الأغيار وسرٍّ مصفًّى مِنَ الحجب والأستار. انتهى. و{اللهِ} اسمٌ عربيٌّ موضوعٌ للبارئ تعالى؛ كأسماء الأعلام، لا اشتقاقَ له؛ لأنَّه يُوصَف، ولا يُوصَف به، وقِيل: هو معرَّبٌ، وأصله (لاهاء) بالسريانيَّة، فحُذِفت الألف الثانية وجيء بالألف واللام عوضًا عنه، وقِيل: هو مشتقٌّ مِن إله، آلهة، وألوهة، وألوهيَّة، بمعنى عبد عبادة وعبودة وعبوديَّة، ومِنه: تألَّه الرجل؛ أي: تعبَّد، فيكون أصله: آلها مصدرٌ بمعنى مألوه؛ ككتاب بمعنى مكتوب، فحُذِفت الهمزة مِن أوَّله، وعُوِّضت الألف واللام عنها وأُدغِمت اللام في اللام فصار (الله) وعنِ ابن عبَّاسٍ في الإشارة إلى معنى / {بِسْمِ اللهِ} أنَّ (الباء) برُّه بأنبيائه وأوليائه، و(السين) سرُّه مع أحبَّائه وأصفيائه، و(الميم) منَّته على أهل ولائه بدوام نظره إليهم بعين شفقته ورحمته وأفضاله، فيعلمون أنَّهم ببرِّه علموا خيره، وبسرِّه عرفوا قدره، وبمنَّته عليهم حفظوا أمره، وقال جعفر الصَّادق: «الباء» بقاؤه، و«السين» أسماؤه، و«الميم ملكُه، فمعناه: إيمان المؤمن فكره ببقائه، وخدمة المريد ذكره بأسمائه، ووجد العارف فناؤه عن ملكه بعلوِّه وسنائه، وقيل: «الباء» تشير إلى براءته مِن كلِّ سوءٍ، و«السين» إلى سلامته مِن كلِّ عيبٍ، و«الميم» إلى مجده بعزِّ وصف، و«الألف» الأوَّل مِنَ «الله» إشارةٌ إلى ابتدائه ووحدة ذاته واستغنائه عن مخلوقاته، و«اللام» الأول» إلى جلاله، والثاني إلى جماله، و«الهاء» إلى نهاية ما تمكن العبادة عنه مِن عظمته وكماله، وقال أبو سعيد الخرَّاز: أوَّل ما دعا عباده أن دعاهم إلى كلمة الله، فمَن فهمها فهِم ما وراءها مِنَ الكتاب، قال سهل بن عبد الله التُّستري: {بسم الله} اسمٌ فيه الإشارات والمعاني، اسم مَن لا يتركه إلَّا متواني، اسم مَن سهرت له العيون، اسم مَن حسنت له الظنون، اسم مَن يسبِّح له القلم إلى النون، اسم مَن إذا قال لشيءٍ: كن، فيكون، اسم مَن يغفر الزَّلَّات، اسم مَن يقبل الحسنات، اسم مَن يمحو السيِّئات، اسم مَن يعلم الخفيَّات، اسم مَن يكون الأمان، اسم مَن يتمُّ به الإيمان.