مقاصد التنقيح إلى شرح الصحيح

باب قول الله تعالى: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك}

          ░46▒ (بَاب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {ا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ(1)...} [المائدة:67])
          سبق تفسيره في بابه مِن (سورة المائدة) مِن (كتاب التفسير).
          قوله تعالى: ({لِيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا} [الجن:28])؛ أي: ليعلم محمَّد أنَّ جبرئيل ومَن معه مِنَ الملائكة الذين يحفظون الوحي قد أبلغوا، {رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ} [الجن:28]، وقيل: ليعلم محمَّد أنَّ الرسل قبله قد بلَّغوا رسالات ربِّهم محفوظة محروسة، وقيل: ليعلم مكذِّب الرسل مِنَ الكفَّار أنَّ الرسل قد بلَّغوا، وقيل: ليعلم(2) سيِّد الجنِّ أنَّ الرسل قد بلَّغوا رسالات ربِّهم ولم يكن الجنُّ هم المبلِّغين لأخبار السماء باستراق السمع.
          قوله تعالى: ({أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي} [الأعراف:62])؛ أي: أبلِّغكم ما أرسلني الله به إليكم مِن أوامره ونواهيه، قاله نوحٌ لقومه.
          قوله تعالى: ({وَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ} [التوبة:94])؛ أي: إنَّه تعالى يرى فيما يستأنف عملكم لا محالة، فيخبر رسوله فيظهر توبتكم مِنَ النفاق أو إصراركم عليه، فإيَّاكم وفعل ما تحتاجون إلى الاعتذار منه.
          وقول عائشة: (وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ أَحَدٌ)؛ أي: ولا تتحرَّك لما رأيت منه(3)، ولا تعتريه بغتةٌ، وأصل الخفِّ(4) السرعة(5).
          قوله تعالى: ({ذَلِكَ الْكِتَابُ} [البقرة:2])؛ أي: هذا الكتاب؛ يعني: القرآن، و{ذَلِكَ} هنا بمعنى هذا؛ كما في قوله: {ذَلِكُمْ حُكْمُ اللهِ} [الممتحنة:10]؛ أي: هذا الذي ذكر مِن قبل في القرآن، {حُكْمُ اللهِ} [الممتحنة:10]؛ أي: شرعه الذي حكم به عليكم، أقسم الله تعالى بقوله: {الم} [البقرة:1] أنَّ هذا القرآن مِن عند الله، {لاَ رَيْبَ فِيهِ} [البقرة:2] و{الكِتَابُ} عطف بيانٍ لـ{ذَلِكَ} و({لَا رَيْبَ}) في موضع نصبٍ على الحال؛ أي: هذا الكتاب حقًّا غير ذي شكٍ أنَّه مِن عند الله.
          وقوله: ({هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} [البقرة:2]) يجوز أن يكون حالًا مِنَ الكتاب، وأن يكون مرفوعًا بالابتداء، وخبره {فِيهِ} عند مَن يقف على {لَا(6) رَيْبَ} وأن يكون خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هو هدًى للمتَّقين؛ أي: بيانٌ وإرشادٌ ودلالةٌ للذين يتَّقون الشرك؛ وهم المؤمنون.
          قوله تعالى: ({تِلْكَ آيَاتُ اللّهِ} [البقرة:252])؛ أي: وقد تجيء أسماء الإشارة بعضها في موضع بعضٍ؛ كما في قوله تعالى: {تَلْكَ آيَاتُ اللهِ} فإنَّ المعنى: هذه آيات القرآن وأعلامه، (وَمِثْلُهُ) في استعمال بعضها في موضع بعض قوله تعالى: ({حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم} [يونس:22])؛ أي: حتَّى أن(7) ينتهي الأمر إلى أنَّه إذا كنتم في السفر وجرت هي بالذين فيها؛ أي: بكم، فرجع عن الخطاب إلى الغيبة اِلتفاتًا، وهذا يسمَّى في البلاغة تلوين الخطاب.
          قوله: (وَقَالَ أَنَسٌ) سبق حديثه بتمامه مع بيانه في (باب: غزوة الرجيع) مِن (كتاب المغازي).


[1] زيد في (غ): {مِن رَّبِّكَ}.
[2] في (غ): (له).
[3] في (غ): (عنه).
[4] في (غ): (الخيف).
[5] في (أ): (السرعته).
[6] {لَا}: ليس في (غ).
[7] (أن): ليس في (غ).