مقاصد التنقيح إلى شرح الصحيح

باب قوله تعالى: {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدًا}

          ░4▒ (بَابُ قَوْلِه(1) تَعَالَى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا} [الجن:26])
          أي: هو عالمُ ما غاب عنكم، وقيل: عالم السرِّ، ({فَلَا يُظْهِرُ} [الجن:26])؛ أي: فلا يُطْلِعُ أحدًا على الغيب الذي تفرَّد هو بعلمه، فالله تعالى عالمٌ شاملٌ علمه لجميع المعلومات(2)، محيطٌ بها سابقٌ على وجودها، لا تخفى عليه خافية، ولا يغرب عنه قاصية ولا دانية، ولا يشغله علم مِن علمٍ؛ كما لا يشغله شأنٌ عن شأنٍ، وهو مِن صفات الذات، وحظُّ العبد مِنه أن يكون مشغوفًا بتحصيل العلوم الدينيَّة، لا سيَّما المعارف الإلهيَّة التي هي باحثةٌ عن ذاته وصفاته، فإنَّها أشرف العلوم، وأقرب الوسائل إلى الله تعالى، مراقبًا لأحواله محتاطًا(3) في مصادره وموارده؛ لعلمه بأنَّه تعالى عالمٌ بضمائره، مطَّلعٌ على سرائره، قال القشيريُّ: مِن آداب مَن علم أنَّه تعالى عالم الخفيَّات، خبير(4) بما(5) في الضمائر والسرائر مِنَ الخطرات، لا يخفى عليه شيءٌ مِنَ الحوادث في عموم الحالات؛ أن يستحيي مِن مواضع اطِّلاعه، ويرعوي عن الاطِّلاع بجميل سرِّه، وفي بعض الكتب: إن لم تعلموا أنِّي أراكم؛ فالخلل(6) في إيمانكم، وإن علمتم أنِّي أراكم؛ فلا تجعلوني أهون الناظرين إليكم، فمِن شأن مَن تحقَّقه أن يكون مكتفيًا بعلمه عند جريان حكمه، ساكتًا عن تدبيره وتقديره، فارغًا عن اختياره واحتياله. /
           قوله تعالى: ({إِنَّ اللهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} [لقمان:34]) سبق تفسيره في بابه مِن (سورة لقمان) مِن (كتاب التفسير).
          قوله تعالى: ({أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ} [النساء:166])؛ أي: أنزل القرآن وهو يعلم أنَّك أهلٌ لإنزاله عليك، وقيل: أنزله بما فيه مِن علمه الذي يحتاج العباد إليه، وقيل: أنزله وهو معلومه.
          قوله تعالى: ({وَمَا تَحْمِلُ(7) مِنْ أُنثَى} [فاطر:11])؛ أي: وما(8) تحمل أنثى ولدًا ولا تضعه إلَّا وهو تعالى عالمٌ به، لا يخفى عليه شيءٌ.
          قوله تعالى: ({إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ} [فصلت:47])؛ أي: إلى الله تعالى(9) يردُّ علم القيامة أنَّها متى تكون؟؛ يعني: أنَّ علمها عنده فحسب، ولم يعلمها غيره.
          وفي الباب حديث ابن عمر، ومضى بيانه في آخر أبواب (كتاب الاستسقاء).


[1] في (غ): (قول الله).
[2] في (أ): (الملومات).
[3] في (غ): (مختلطًا).
[4] في (أ) و(غ): (خير).
[5] في (غ): (ما).
[6] في (غ): (فهو الخلل).
[7] في (أ): (تجمل).
[8] في (غ): (ولا).
[9] (تعالى): ليس في (غ).