مقاصد التنقيح إلى شرح الصحيح

كتاب أخبار الآحاد

           (♫)
          ░░95▒▒ (كِتَاب أَخْبَارِ الْآحَادِ) /
          ░1▒ (بَابُ مَا جَاءَ فِي إِجَازَةِ خَبَرِ الْوَاحِدِ الصَّدُوقِ فِي الْأَذَانِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْفَرَائِضِ وَالْأَحْكَامِ)
          اعلم أنَّ الصَّحيح الَّذي عليه جمهور السَّلف من الصَّحابة والتَّابعين والخلف من الفقهاء والمتكلِّمين أنَّه لا يستحيل التَّعبُّد بخبر الواحد عقلًا، ولا يجب التَّعبُّد به عقلًا، وأنَّ التَّعبُّد به واقعٌ سمعًا؛ بدليل إجماع الصَّحابة على قبوله وعملهم(1) به في وقائع شتَّى لا تنحصر، وإنفاذ رسول الله صلعم ورسله وقُضاته وأمراءه وسعاته إلى الأطراف؛ وهم آحادٌ وتكليفه(2) إيَّاهم بتصديقهم فيما نقلوه من الشَّرع؛ كما هو مصرَّحٌ به في أحاديث هذه الأبواب وغيرها من الأخبار الصَّحيحة المثبتة، وبإجماع الأمَّة عل أنَّ العامِّيَّ مأمورٌ باتِّباع المفتي وتصديقه، مع أنَّه ربَّما يخبر عن ظنِّه، فالَّذي يخبر عن السَّماع الَّذي لا يُشَكُّ فيه أَولى بالتَّصديق، وقد سبق البحث عنه في مقدِّمة الكتاب.
          قوله تعالى: ({فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ} [التوبة:122])؛ أي: فهلَّا خرج إلى الغزو من كلِّ قبيلةٍ جماعةٌ وأقام سائرهم مع النَّبيِّ صلعم، ({لِّيَتَفَقَّهُواْ(3) فِي الدِّينِ} [التوبة:122])؛ أي: ليتعلَّم تلك الفرقة المقيمة من النَّبيِّ صلعم السُّنن والأحكام، ويشاهدوا ما يتحدَّد من الشَّرع وينزل حالًا فحالًا مِن القرآن فيتعلَّموه، ({وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ} [التوبة:122])؛ أي: وليحذِّروهم ويعلِّموهم ذلك إذا رجعوا إليهم من الغزو، هذا قول بعضهم، وقال الحسن: التَّفقُّه والإنذار راجعان إلى الفِرقة النَّافرة، والمعنى: ما ينبغي لأهل البادية والبلاد النَّائية أن ينفر جميعهم إلى رسول الله صلعم ويرحلوا إليه كافَّةً، بل تحضره جماعةٌ من كلِّ قبيلةٍ، ({لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ} [التوبة:122]) ويتعلَّموا القرآن وأحكام الإسلام؛ ليعلِّموا قومهم إذا رجعوا إليهم الأحكام ويخوِّفونهم(4) المواعظ، ({لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة:122])؛ أي: لكي يخافوا الله في المعاصي فيطيعوه، وسبق تفسير قوله تعالى: ({وَإِن طَائِفَتَانِ} [الحجرات:9]) في بابه من (كتاب الصُّلح).
          قوله تعالى: ({إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ} [الحجرات:6])؛ يعني: الوليد بن عقبة، و(الفاسق) الكذَّاب والمعلِن بالذُّنوب، وأصل الفسق: الخروج عن الطَّاعة، ({بِنَبَأٍ} [الحجرات:6])؛ أي: بخبرٍ، ({فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات:6])؛ أي: تأنُّوا ولا تعجلوا(5) ؛ يعني: إن أخبركم من ليس يعدل خبرًا له متوقَّعٌ(6) عندكم؛ فلا تعجلوا(7) إلى قبوله حتَّى تعرفوا صحَّته ويتَّضح لكم صدقه.
          وفيه: دليلٌ على أنَّ خبر الواحد مقبولٌ إذا كان عدلًا؛ لأنَّ الله تعالى أمر بالتَّثبُّت(8) في خبر الفاسق، ولو تثبَّتنا في خبر العدل؛ لسوَّينا بينهما(9).
          وقوله: ({أَن تُصِيبُوا} [الحجرات:6])؛ أي: لئلَّا تصيبوا(10) ؛ يعني: حتَّى لا تنالوا(11) قومًا بمكروهٍ على جهالةٍ منكم بحالهم في استحقاقهم إيَّاه، وذلك بأن يغزوا قومًا هم على الإسلام والطَّاعة وأنتم تظنُّون أنَّهم كفَّارٌ، ({فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات:6])؛ أي: فتصيروا نادمين على ذلك.
          وفي الباب حديث مالكٍ بن الحُوَيرث، ومضى بيانه في (باب: الأذان للمسافر إذا كانوا جماعةً) من (كتاب الصَّلاة).


[1] في (غ): (وعلمهم).
[2] في (أ): (وكليفه).
[3] في (أ): (ليفقهوا).
[4] في (غ): (ويخوفوهم).
[5] زيد في (غ).
[6] في (غ): (موقع).
[7] في (غ): (تعجبوا).
[8] في (غ): (بالتثبيت).
[9] في (غ): (منهما).
[10] في (غ): (يصيبوا).
[11] في (غ): (ينالوا).