مقاصد التنقيح إلى شرح الصحيح

باب قوله تعالى: {قل لو كان البحر مدادًا لكلمات ربي}

          ░30▒ (بَاب قَوْلِهِ تَعَالَى(1) : {قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي} [الكهف:109])
          أي: قل(2) يا محمَّد لليهود: لو كان البحر المحيط مدادًا يكتب به كلام الله، وهو صفة مِن صفات ذاته ولا يجوز أن يكون لكلامه نهاية ولا غاية، فإنَّ أوصاف ذاته غير محدودة، وقيل: كلمات(3) الله معلوماته، وقيل: ذكر ما خلق وما لم يخلق.
          ({لَنَفِدَ الْبَحْرُ} [الكهف:109])؛ أي: لفني ماء البحر قبل فناء كلمات الله.
          ({وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ} [الكهف:109])؛ أي: بمثل البحر.
          ({مَدَدًا} [الكهف:109])؛ أي: عونًا وزيادةً، فإنَّه نفد البحر قبل نفادها.
          قوله تعالى: ({وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ} [لقمان:27]؛ أي: لو كان جميع ما في الأرض مِنَ الأشجار أقلامًا؛ أي: لو بريت أشجار الأرض أقلامًا لتكتب بها، وكان البحر مدادًا(4) ومعه سبعة أبحرٍ مثله مدادًا، ({مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللهِ} [لقمان:27])؛ أي: ما فني كلامه، وقيل: كلماته(5) هي ما قضاه الله وقدَّره في اللَّوح المحفوظ، {إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ} [لقمان:27]؛ أي: منيعٌ في ملكه، حكيم في تدبيره، لا يصل أحدٌ إلى كنه حكمته.
          قوله تعالى: ({إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ} [الأعراف:54])؛ أي: إنَّ ربَّكم على التحقيق هو الله، ({الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} [الأعراف:54]) في مقدار ستَّة أيَّامٍ مِن أيَّام الدنيا، وقيل: مِن أيَّام الآخرة، وكان الله قادرًا على خلقها أسرع مِن لمح البصر، لكنَّه سبحانه أراد إنشاءها شيئًا بعد شيءٍ، وحالًا بعد حالٍ ليتوالى صنعتَها لها(6) بتوالي الأوقات، فيحصل منه في كلِّ وقتٍ صنعٌ يدلُّ على أنَّه قادرٌ عالمٌ مختارٌ.
          ({ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف:54])؛ أي: ثمَّ قصد إلى خلق العرش.
          ({يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ} [الأعراف:54])؛ أي: يجعل الليل يغطِّي النهار بظلمته، والنهار يغطِّي الليل بضوئه؛ يعني: يجعل ظلمة اللَّيل لابسةً ضوء النهار، وضوء النهار ظلمة الليل على ما تقتضيه حكمته.
          ({يَطْلُبُهُ} [الأعراف:54])؛ أي: يطلب كلَّ واحدٍ منهما الآخر طلبًا، ({حَثِيثًا} [الأعراف:54])؛ أي: سريعًا.
          ({وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ} [الأعراف:54])؛ أي: وخلق هذه الأشياء جاريةً مجاريها بأمر الله، وقيل: مسخَّراتٍ بأمره مذلَّلاتٍ بقدرته(7) وقيل: متفرِّقاتٍ(8) بحكمته، ({أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} [الأعراف:54])؛ أي: هو الخالق والآمر دون غيره، وقيل: له الخلق البديع والأمر النافذ.
          ({تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف:54])؛ أي: تعالى الله خالق جميع الموجودات.
          وفي الباب حديث أبي هريرة، ومضى بيانه في (باب: أفضل الناس مؤمنٌ يجاهد بنفسه(9) وماله في سبيل الله) مِن (كتاب الجهاد).


[1] في (غ): (باب قول الله تعالى).
[2] في (غ): (قال).
[3] في (غ): (كلامات).
[4] في (غ): (مداد).
[5] في (غ): (كلاماته).
[6] في (غ): (لما).
[7] في (أ): (بقدته).
[8] في (غ): (متصرفات).
[9] في (غ): (نفسه).