مقاصد التنقيح إلى شرح الصحيح

باب قوله تعالى: {وكان عرشه على الماء}

          ░22▒ (بَابُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء} [هود:7])
          سبق تفسيره في بابه مِن (سورة هود) مِن (كتاب التفسير)(1) ومضى تفسير قوله تعالى: ({وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [التوبة:129]) في آخر (سورة براءة) مِن (كتاب التفسير).
          قوله تعالى(2) : ({اسْتَوَى}) أوَّله: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً} [البقرة:29]؛ أي: خلق لأجلكم جميع ما في الأرض، ({ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء} [البقرة:29])؛ أي: قصد إلى خلقها، وقال ابن عبَّاسٍ: صعَّد أمره إليها، ({فَسَوَّاهُنَّ} [البقرة:29])؛ أي: جعلهنَّ، {سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} [البقرة:29] بعضهنَّ فوق بعضٍ، لا خلل فيهنَّ ولا فطور.
          قوله تعالى: ({اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف:54])؛ أي: استولى(3)، وتخصيص العرش بالاستيلاء عليه؛ لأنَّه أعظم شيءٍ خلقه؛ أي: ظهر استيلاؤه على العرش، وقيل: المراد بـ(العَرْشِ) الملك، كنَّى به عنه؛ إذ(4) كانت عادة الملوك الجلوس على الأسرَّة، والمراد: ظهر ملكه وسلطانه، يخلق ما ينفذ فيه أمره، فإنَّه(5) سبحانه مستوٍ على العرش على الوجه الذي قاله، وبالمعنى الذي أراده، استواءً منزَّهًا(6) عن المماسَّة والاستقرار، والتمكُّن والحلول والانتقال، لا يحمله العرش، بل العرش وحملته محمولون بلطف قدرته، مقهورون بقهر قبضته، قال السهرورديُّ في كتاب «العقائد»: أخبر الله تعالى أنَّه استوى فقال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] وأخبر رسول الله(7) صلعم بالنزول وغير ذلك ممَّا جاء في اليد والقدم والتعجُّب والتردُّد، كلُّ واردٍ مِن هذا القبيل دلائل للتوحيد، فلا يتصرَّف فيه(8) عقل(9) العقلاء ولبُّ الألبَّاء، وسُئل بعض السلف عن الاستواء فقال: الاستواء معلومٌ، والإيمان به واجبٌ، والكيفيَّة مجهولةٌ، والسؤال عنه بدعةٌ.
          قوله: ({المَجِيدُ})؛ أي: في قوله تعالى: {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ. ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ} [البروج:14-15]؛ أي: الغفور لِمَن تاب وآمن؛ لأنَّ رحمته وسعت كلَّ شيءٍ.
          و({الوَدُودُ})، قيل: هو بمعنى الحليم، وقيل: بمعنى المودود؛ كـ(الحلوب) وقيل: هو مبالغة الوادِّ؛ ومعناه: الذي يحبُّ الخير لجميع الخلائق، ويحسن إليهم في الأحوال كلِّها، وقيل: المحبُّ لأوليائه، وحاصله يرجع إلى إرادةٍ مخصوصةٍ، وحظُّ العبد منه أن يريد للخلق ما يريد لنفسه، ويحسن إليهم حسب قدرته ووسعه، ويحب الصالحين مِن عباده.
          وقوله: {المَجِيدُِ}[البروج:15]، قُرِئ: بالرفع والجرِّ؛ فالرفع على أنَّه صفة الله تعالى، مبالغة (الماجد) مِن المجد؛ وهو سعة الكرم، مِن قولهم: مجدت الماشية؛ إذا صادفت روضة أنفًا(10)، وأمجدها الراعي، وحظُّ العبد منه أن يعامل الناس / بالكرم وحسن الخلق ليكون ماجدًا فيما بينهم، والجرُّ على أنَّه صفة (العَرْشِ)، والمعنى: العرش العظيم، وصفه بالمجد؛ كما وصفه بالكرم في {الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون:116] و(الحميد) هو المحمود المستحقُّ للثناء، فإنَّه الموصوف بكلِّ كمالٍ، والمولي لكلِّ نوالٍ(11)، {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ} [الإسراء:44] بلسان الحال، وحظُّ العبد منه أن يسعى لينخرط في سلك المقرَّبين؛ الذين يحمدون الله لذاته لا لغيره.
          وفي الباب حديث عمران بن حصين، ومضى بيانه في أوَّل أبواب (كتاب بدء الخلق).


[1] (مِن كتاب التفسير): ليس في (غ).
[2] (تعالى): ليس في (غ)، وكذا في الموضع اللاحق.
[3] زيد في (غ): (على العرش).
[4] في (غ): (إذا).
[5] في (غ): (فإن الله).
[6] في (غ): (منزه).
[7] في (غ): (رسوله).
[8] (فيه): ليس في (غ).
[9] (عقل): مثبت من (غ).
[10] في (أ): (أنقًا)، و(أنفًا): ليس في (غ).
[11] في (أ): (توال).