مقاصد التنقيح إلى شرح الصحيح

فضائل أصحاب النبي

          (♫)
          ░░62▒▒ (فَضَائِلُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلعم)
          اعلم أنَّ الصحابيَّ المعروف عند أهل الحديث وبعض الأصوليِّين كلُّ مَن رأى رسول الله صلعم وهو مسلمٌ، ويُعرَف كونُه صحابيًّا بالتواتر كأبي بكرٍ وعمر ☻، أو بالاستفاضة، أو بقول صحابيٍّ غيرِه: إنَّه صحابيٌّ، أو بقوله عن نفسه: إنَّه صحابيٌّ إن كان عدْلًا، والصحابة كلُّهم عدولٌ مطلقًا؛ لظواهر الكتاب والسنَّة وإجماع مَن يُعتَدُّ به، قال النواويُّ: قال أبو منصورٍ البغداديُّ: أصحابنا مجمعون على أنَّ أفضلهم الخلفاء الأربعة على الترتيب في الخلافة، ثمَّ تمام العشرة، ثمَّ أهل بدرٍ، ثمَّ أُحُدٍ، ثمَّ بيعة الرضوان ومَن له مزيَّة(1) أهل العقبتين مِنَ الأنصار، وكذلك السابقون الأوَّلون، وهم مَن صلَّى القِبلتَين، وقِيل: أهل بيعة الرضوان، وكذلك اختلفوا في عائشة وخديجة أيُّتهما أفضل، وفي عائشة وفاطمة، وأمَّا عثمان فخلافته صحيحةٌ بالإجماع، وقُتِل مظلومًا، وقتَلَته(2) فسقةٌ؛ لأنَّ موجبات(3) القتل مضبوطةٌ، ولم يجر مِنه ☺ ما يقتضيه، ولم يشارك في قتله أحدٌ مِنَ الصحابة، وإنَّما قتله همجٌ(4) ورعاعٌ مِن غوغاء القبائل وسفلة الأطراف والأراذل تحزَّبوا(5) وقصدوه مِن مصر(6)، فعجزت الصحابة الحاضرون عن دفعهم، فحصروه(7) حتَّى قتلوه، وأمَّا خلافة عليٍّ فصحيحةٌ(8) بالإجماع، وكان هو الخليفة في وقته لا خلافة لغيره، وأمَّا معاوية فهو مِنَ العدول الفضلاء والصحابة النُجباء، وأمَّا الحروب التي جرت بينهم وكانت لكلِّ طائفةٍ شبهةٌ اعتقدت تصويب أنفسها بسببها، وكلُّهم عدولٌ متأوِّلون في حروبهم وغيرها، ولم يخرِج شيءٌ مِن ذلك أحدًا مِنَ العدالة؛ لأنَّهم مجتهدون اختلفوا في مسائل عن محلِّ الاجتهاد، كما يختلف المجتهدون بعدهم في مسائل مِنَ الدماء وغيرها، ولا يلزم مِن ذلك نقص أحدٍ منهم، ثمَّ اعلم أنَّ سبب تلك الحروب أنَّ القضايا كانت مشتبهةً، فلشدَّة اشتباهها اختلف اجتهادهم وصاروا ثلاثة أقسامٍ؛ قسمٌ(9) ظهر لهم بالاجتهاد أنَّ الحقَّ في هذا(10) الطرف، وأنَّ مخالفه باغٍ، فوجب عليهم نصرته وقتال / الباغي عليه فيما اعتقدوه، ففعلوا ذلك، ولم يكن يحلُّ لِمَن هذه صفته التأخُّر عن مساعدة إمام العدل في قتال البغاة في اعتقادهم، وقسمٌ عكس هؤلاء ظهر(11) لهم بالاجتهاد أنَّ الحقَّ [في الطرف الآخر، فوجب عليهم مساعدته وقتال الباغي عليه، وقسمٌ ثالثٌ اشتبهت عليهم القضيَّة](12) وتحيَّروا فيها(13)، فلم يظهر لهم ترجيح أحد الطرفين، فاعتزلوا الفريقين، وكان هذا الاعتزال هو الواجب في حقِّهم؛ لأنَّه لا يحلُّ الإقدام على قتال(14) مسلمٍ حتَّى يظهر أنَّه مستحقٌّ لذلك، ولو ظهر لهؤلاء رجحان أحد الطرفين وأنَّه المحقُّ(15) لَمَا جاز لهمُ التأخُّر عن نصرته في قتال البغاة عليهم، فكلُّهم معذورون ♥، ولهذا اتَّفق أهل الحقِّ ومَن يُعتَدُّ به في الإجماع على قبول شهادتهم ورواياتهم وكمال عدالتهم، رضوان الله عليهم أجمعين.


[1] في (ف): (مرتبة).
[2] في (ب): (وقتله).
[3] في (أ) و(ف): (موجب).
[4] في (ف): (نفح)، بلا نقط.
[5] في (ف): (تخربوا).
[6] في (ب): (مضر).
[7] في (ب) و(ف): (فحضروه).
[8] في (أ): (صحيحة).
[9] (قسم): ليس في (ف).
[10] في (ف): (مضر).
[11] في (ب): (يظهر).
[12] ما بين معقوفين سقط من (ف).
[13] في (ف): (فيهما).
[14] زيد في (ف): (المسلمين).
[15] في (ف): (الحق).