مقاصد التنقيح إلى شرح الصحيح

باب ذكر الله بالأمر وذكر العباد بالدعاء والتضرع

          ░39▒ (بَاب ذِكْرِ اللهِ بِالْأَمْرِ وَذِكْرِ الْعِبَادِ بِالدُّعَاءِ(1) وَالتَّضَرُّعِ وَالرِّسَالَةِ وَالْإِبْلَاغِ)
          قوله تعالى: ({فَاذْكُرُونِي(2) } [البقرة:152])؛ أي: اذكروني بما أمرتكم بذكري به أجابكم(3) على ذلك، وهذا على المقابلة، وقيل: اذكروني بالطاعة اذكركم بالمغفرة.
          قوله(4) تعالى: ({وَاتْلُ عَلَيْهِمْ} [يونس:71])؛ أي: اقرأ على قومك خبر نوح مع قومه، و(النبأ) الخبر.
          ({إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ} [يونس:71])؛ أي: حين قال نوحٌ لقومه: ({يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي} [بونس:71])؛ أي: إن كان عظم وثقل وشقَّ عليكم إقامتي بينكم، وطول مكثي فيكم، وكان لبث فيهم ألف سنةٍ إلَّا خمسين عامًا يدعوهم إلى ربِّهم، وكانوا مصرِّين على الكفر.
          ({وَتَذْكِيرِي} [يونس:71])؛ أي: وإذكاري إيَّاكم حججه وتبيانه وعظتي وتخويفي إيَّاكم بعقوباته.
          ({فَعَلَى اللّهِ تَوَكَّلْتُ} [يونس:71])؛ أي: فوَّضت أمري إلى الله ولا أخافكم.
          ({فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ} [يونس:71])؛ أي: اعزموا على أمركم مع آلهتكم التي جعلتموها شركاء الله.
          ({ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ [عَلَيْكُمْ غُمَّةً} [يونس:71])؛ أي: ثمَّ لا يكن أمركم](5) معي ملتبسًا غير ظاهرٍ، لكن(6) متكشِّفًا لا يستترون معاداتي.
          ({ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ} [يونس:71])؛ أي(7) : صلوا إليَّ ما شئتم مِن مكروهٍ، وافعلوا بي ما تهمُّون به مِنَ القتل.
          ({وَلاَ تُنظِرُونِ} [يونس:71])؛ أي: ولا تؤخِّرون(8)، وهذا إخبارٌ(9) مِنَ الله تعالى عن نوحٍ أنَّه كان واثقًا بنصر الله غير خائفٍ مِن قومه، عالمًا بأنَّ آلهتهم لا تضرُّ ولا تنفع.
          ({فَإِن تَوَلَّيْتُمْ} [يونس:72])؛ أي: فإن أعرضتم عن الإيمان أو(10) عن قبول نصحي.
          ({فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ} [يونس:72])؛ أي: فما طلبت عنكم جعلًا على أداء الرسالة، فتوجَّب التولي.
          ({إِنْ أَجْرِيَ} [يونس:72])؛ أي: ما ثوابي، ({إِلاَّ عَلَى اللّهِ} [يونس:72]) تعالى، ({وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس:72])؛ أي: المستسلمين لأمره.
          قوله تعالى: ({وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ} [التوبة:6])؛ أي: وإن استجارك أحدٌ مِنَ المشركين الذين أمرتك بقتلهم، و(الاستيجار) طلب الأمان، ({فَأَجِرْهُ} [التوبة:6])؛ أي: فآمنه حتَّى يسمع القرآن وما أمر به ونهى عنه، ليعرف صدقك ولتقوم عليه الحجَّة، ({ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} [التوبة:6])؛ أي: ثمَّ إن لم يُسلِم ردَّه إلى موضع أمنه، ({ذَلِكَ} [التوبة:6])؛ أي: المأمور به في حقِّه، ({بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ} [التوبة:6])؛ أي: بسبب أنَّهم قوم لا يفهمون عن الله بحججه، ولا يعرفون دلائله فاستأنَّ بهم كي يعلموا.
          قوله: ({النَّبَأُ})؛ أي: في قوله تعالى: {عَمَّ يَتَسَاءلُونَ. عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ} [النبأ:1-2]، أي: عن أيِّ شيءٍ يسأل هؤلاء الكفَّار بعضهم بعضًا، قاله على معنى التفخيم والتعظيم(11)، ثمَّ قال لنبيِّه صلعم : {عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ} [النبأ:2]؛ أي: يتساءلون عن النبأ العظيم، وهو القرآن بدليل قوله: {قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ. أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ} [ص:67-68] وقيل: هو البعث بدليل قوله: {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا} [النبأ:17] وقيل: هو أمر النبيِّ صلعم بدلالة قوله: {الَّذِي(12) هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ} [النبأ:3] فإنَّ الأمَّة اختلفوا فيه، فمن مصدِّق له ومكذِّب(13).
          قوله: ({صَوَابًا})؛ أي: في قوله تعالى: {إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا} [النبأ:38] والمعنى: أنَّ الخلق كلَّهم في ذلك اليوم لا يتكلَّمون إلَّا مَن أذن له في التكلُّم مِنَ المؤمنين والملائكة، وقال في «الدنيا»: «صوابًا»؛ أي: حقًّا وصدقًا، وهو قول «لا إله إلَّا الله» وعمل بمقتضاه، وقال الحسن: إنَّ الروح تقول يوم القيامة: لا يدخل الجنَّة إلَّا بالرحمة ولا النار إلَّا بالعمل، وهو معنى قوله: {وَقَالَ صَوَابًا}.


[1] في (أ): (بالذعاء).
[2] في (أ): (اذكروني).
[3] في (أ): (أجانكم).
[4] (قوله): بياض في (غ).
[5] ({عَلَيْكُمْ غُمَّةً} أي ثمَّ لا يكن أمركم): ليس في (غ).
[6] في (غ): (بل ليكن).
[7] في (غ): (أو).
[8] في (غ): (تؤخروني).
[9] في (أ): (إخباز).
[10] في (غ): (أي).
[11] في (غ): (والتعظم).
[12] في (أ) و(غ): (الذين).
[13] في (غ): (أو مكذب).