مقاصد التنقيح إلى شرح الصحيح

باب قول الله تعالى: {إن الله هوالرزاق ذو القوة المتين}

          ░3▒ (بَابُ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:58])
          وفي بعض النسخ: <▬إنِّي أنا الرَّزَّاقُ ذُو القُوَّةِ المَتِينُ↨> وسياق الآية ليس هكذا على القراءة المشهورة، بل ذاك على قراءة عبد الله بن مسعودٍ، فإنَّه قال: (أقرأني رسول الله صلعم : ▬إنِّي أنا الرزَّاق ذُو القُوَّةِ المَتِينُ↨)؛ أي: أنَّه رازق جميع العباد، فلا ينفذ ما عنده، فالله تعالى خالق الأرزاق والأسباب التي يتمتَّع بها، و(الرزق) هو المنتفع به، وكلُّ / ما يَنتَفِع به مُنتفِعٌ فهو رزقه، سواءٌ كان مباحًا أو محظورًا، و(الرزق) نوعان: محسوس ومعقول؛ فلذلك قال بعض المحقِّقين: «{الرَّزَّاقُ(1) }» مَن رزق الأشباح فوائد لطفه، والأرواحَ عوائد كشفه.
           وقال الآخر: «{الرَّزَّاقُ}» مَن غذَّى نفوس الأنبياء بتوفيقه، وجلَّى قلوب الأخيار بتصديقه، وحظُّ العارف منه أن يتحقَّق معناه؛ ليتيقَّن أنَّه لا يستحقُّه إلَّا الله تعالى، فلا ينتظر الرزق ولا يتوقَّعه إلَّا مِنه فيكل أمره إليه، ولا يتوكَّل فيه إلَّا عليه، ويجعل يده خزانة ربِّه، ولسانه وصلة بين الله وبين الناس في وصول الأرزاق الروحانيَّة والجسمانيَّة إليهم؛ بالإرشاد(2) والتعليم وصرف المال ودعاء الخير وغير ذلك؛ لتنال(3) حظًّا وافرًا مِن هذه الصفة، قال(4) أبو القاسم القشيريُّ: مَن عرف أنَّ الله تعالى هو الرزَّاق أفرده بالقصد إليه، وتقرَّب إليه بدوام التوكُّل عليه.
          و({القُوَّةِ}) تطلق على معانٍ مترتَّبة، أقصاها القدرة التامَّة(5) البالغة إلى الكمال، والله تعالى قويٌّ بهذا المعنى، و(المتانة) شدَّة الشيء واستحكامه، وهي في الأصل مصدر متن؛ إذا قوي ظهره، ومرجعهما(6) إلى الوصف بكمال القدرة وشدَّتها، وحظُّ العبد منه أن يقوِّي نفسه؛ بحيث يغلب أوَّلًا على هواه فيؤثِّر فيه ولا يتأثَّر(7) عنه، ثمَّ إلى ما عداه فلا يلتفت إلى ما(8) سوى الله ولا ينفعل عنه، قال القشيريُّ: اعلم أنَّه تعالى على ما يشاء قدير، ولا يخرج عن قدرته مقدور، كما لا ينفكُّ عن حكمته مفطورٌ، وهو تعالى في إمضائه غير مستظهر بجندٍ ومددٍ، ولا مستعين بجيشٍ وعضدٍ، إن أراد إهلاك عبدٍ(9) أهلكه بيده حتى يخرج على نفسه فيتلف نفسه إمَّا خنقًا أو غرقًا.
          وفي الباب حديث أبي موسى، ومضى بيانه في (باب: الصبر والأذى) مِن (كتاب الأدب).


[1] في (غ): (الرازق)، وكذا في الموضع اللاحق.
[2] في (غ): (بالإشاد).
[3] في (غ): (لينال).
[4] زيد في (غ): (الإمام).
[5] في (غ): (الثابتة).
[6] في (غ): (ومرجعها).
[7] (فيه ولا يتأثر): ليس في (غ).
[8] (ما): ليس في (غ).
[9] في (غ): (عبده).