مقاصد التنقيح إلى شرح الصحيح

باب قول الله تعالى: {ملك الناس}

          ░6▒ (بَابُ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {مَلِكِ النَّاسِ} [الناس:2])
          معناه: ذو الملك، وهو إذا كان / عبارة عن القدرة على التصرف؛ كان مِن صفات الذات كالقادر، وإن كان عبارة عن التصرُّف في الأشياء بالخلق(1) والإبداع والإماتة والإحياء؛ كان مِن أسماء الأفعال كالخلق، وعن بعضهم: الملك بالحقِّ هو الغنيُّ مطلقًا في ذاته وفي صفاته عن كلِّ ما سواه، ويحتاج إليه كلُّ ما سواه إمَّا بواسطةٍ أو بغير واسطة، فهو بتقديره منفردٌ، وبتدبيره متوحِّد، ليس لأمره مردٌّ، ولا لحكمه ردٌّ، أمَّا العبد فإنَّه محتاج(2) في الوجود إلى الغير، والاحتياج ممَّا ينافي الملك، فلا(3) يمكن أن يكون له ملك مطلق(4)، والملك مختصٌّ عرفًا بمَن يسوس(5) ذوي العقول ويدبِّر أمورهم؛ ولذلك يقال له: {مَلِكِ النَّاسِ} ولا يقال: ملك الأشياء، وهو أبلغ مِنَ المالك باعتبار الزنى؛ لأنَّه فعلٌ في النعوت موضوعٌ للثبات بخلاف الفاعل؛ ولذلك أطلق الملك على الله وحده، ولا يطلق المالك إلَّا مضافًا إلى ما يفيد بإضافته معنى الملك وباعتبار المعنى؛ لأنَّ كلَّ مَلِكٍ مَالِك ولا ينعكس، ووظيفة العارف مِن هذا الاسم أن يعلم أنَّه هو المستغني عن الإطلاق عن كلِّ شيء، وما عداه مفتقرٌ إليه في وجوده وبقائه، مسخَّرٌ لحكمه وقضائه(6)، فيستغني عن الناس رأسًا ولا يرجو ولا يخاف إلَّا إيَّاه، ويتخلَّق [به بالاستغناء عن الغير والاستبداد بالتصرُّف في مملكته الخاصَّة التي هي قلبه وقالبه، والتسلُّط](7) على جنوده ورعاياه مِن القوى والجوارح، واستعمالها فيما فيه خير الدارين وإصلاح المنزلين(8).
          قوله: (فِيهِ ابْنُ عُمَرَ) إشارة إلى ما مضى مع بيان حديث أبي هريرة في (باب: يقبض الله الأرض) مِن (كتاب الرقاق).


[1] في (أ): (بالحق).
[2] في (غ): (يحتاج).
[3] في (أ): (قال).
[4] في (أ): (طلق).
[5] في (غ): (ويشوش)، وهي محتملة في (أ).
[6] في (أ): (وقضا به).
[7] ما بين معقوفين سقط من (غ).
[8] في (غ): (وصلاح المنزليين).