مقاصد التنقيح إلى شرح الصحيح

كتاب الجهاد

           (♫)
          ░░56▒▒ (كِتَابُ الجِهَادِ)
          قال في «المغرب»: جهده: حمَّله فوق طاقته، والجهاد: مصدر جاهدت العدوَّ، إذا قابلته في تحمل الجهد، أو بذل كلٌّ منكما جهدَه؛ أي: طاقته في دفع صاحبه ثمّ غلب في الإسلام على قتال الكفَّار ومحاربتهم.
          ░1▒ (بَابُ فَضْلِ الجِهَادِ وَالسِّيَرِ)
          هي جمع (سيرة) وهي الطريقة، والمراد: الكلام في الجهاد وأحكامه.
          قوله تعالى: ({إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [التوبة:111])؛ أي: اشترى منهم، ({أَنفُسَهُمْ} [التوبة:111]) بأن يقاتلوا في سبيل الله حتَّى يُقتلوا، فيحصل لهم الجنَّة، فأجرى الجنَّة مجرى الثَّمن لأنفسهم التي بذلوها في سبيل الله، فجعل سبحانه ذلك اشتراءً، والشرى: مشتقٌّ / مِنَ الشروي وهو المثل؛ لأنَّه أخذ مثلٍ وإعطاء مثل، ({فَيَقْتُلُونَ} [التوبة:111])؛ أي(1) : أعداء الله، ({وَيُقْتَلُونَ} [التوبة:111])؛ أي: في طاعته، ({وَعْدًا عَلَيْهِ} [التوبة:111])، يعني: أنَّ الله وعدهم هذا الوعد وبيَّن ذلك في الكتب المنزلة، وقوله: (وعدًا) منصوبٌ على المصدر؛ أي: وعد ذلك وعدًا.
          وقوله: ({حَقًّا} [التوبة:111])؛ أي: ثابتًا لا خُلْفَ فيه، ({وَمَنْ أَوْفَى} [التوبة:111])؛ أي: لا أحد أوفى بالوعد الذي يعده مِن الله، وقد وعد المؤمنين بالجنَّة إذا قُتِلوا في سبيل الله فهو يفي بوعده، وفي الآية دليلٌ على أنَّ أهل كلِّ مِلَّةٍ أُمِروا بالقتال ووُعِدوا عليه بالجنَّة لقوله: ({وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ(2) } [التوبة:111]).
          ({فَاسْتَبْشِرُواْ} [التوبة:111])؛ أي: فافرحوا ببيعكم هذا الذي بايعتم به اللهَ، وهو بيع أنفسكم وأموالكم بالجنَّة، فإنَّه بيعٌ ربيحٌ ({وَذَلِكَ} [التوبة:111])؛ أي: البيع، وقِيل: الوعد، وقِيل: الثواب هو الفوز؛ أي: نهاية المطلوب.
          ({التَّائِبُونَ} [التوبة:112])؛ أي: هم التائبون على إضمار مبتدأٍ محذوفٍ، وقال الزجاج: يجوز أن يكون على البدل مِنَ الضمير، في ({يُقَاتِلُونَ} [التوبة:111])؛ أي: يقاتل التائبون وهم الراجعون عنِ المعصية إلى الطَّاعة، و({الْعَابِدُونَ} [التوبة:112])؛ أي: الذين يعبدون الله إخلاصًا مِن غير رياءٍ ولا نفاقٍ، ({الْحَامِدُونَ} [التوبة:112])؛ أي: الذين يحمدون الله على ما رزقهم مِنَ الإيمان، ({السَّائِحُونَ} [التوبة:112])؛ أي: المجاهدون في سبيل الله، ({الرَّاكِعُونَ} [المائدة:112])؛ أي: المصلُّون بنيَّةٍ صادقةٍ، ({الآمِرُونَ} [التوبة:112])؛ أي: الذين يأمرون بالإيمان والطاعة وينهون عنِ الشرك والمعصية، ({وَالْحَافِظُونَ} [التوبة:112])؛ أي: القائلون بما أمر الله به غير مجاوزين عنه، قِيل: التائبون مبتدأٌ، وما بعده صفتهم، و{الآمِرُونَ} [التوبة:112] خبر المبتدأ وما بعده معطوفٌ عليه، فكأنَّه قال: التائبون هم الآمرون(3) بالمعروف... إلى آخره.
          ({وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [التوبة:112])؛ أي: المصدِّقين بالله ورسوله العاملين بطاعته بالجنَّة والنعيم.


[1] (أي): ليس في (ف).
[2] ({وَالْقُرْآنِ}): ليس في (ف).
[3] في (ف): (الآخرون).